الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِٱلأَبْصَارِ } * { يُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱللَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ }

" الرؤية في هذه الآية رؤية عين والتقدير أن أمر الله وقدرته، و { يزجي } معناه يسوق، والإزجاء إنما يستعمل في سوق كل ثقيل ومدافعته كالسحاب والإبل المزاحف كما قال الفرزدق
" على مزاحيف تزجيها مخارير "   
والبضاعة المزجاة التي تحتاج من الشفاعة والتحسين إلى ما هو كسوق الثقيل، ومنه قول حبيب في الشيب، " ونحن نزجيه " ، وسيبويه أبداً يقول في كلامه فأنت تزجيه إلى كذا أي تسوقه ثقيلاً متباطئاً، وقوله { يؤلف بينه } أي بين مفترق السحاب نفسه لأن مفهوم السحاب يقتضي أن بينه فروجاً، وهذا كما تقول جلست بين الدور ولو أضيفت " بين " إلى مفرد لم يصح إلا أن تريد آخر، لا تقول جلست بين الدار إلا أن تريد وبين كذا، وورش عن نافع لا يهمز " يولف " وقالون عن نافع والباقون يهمزون " يؤلف " وهو الأصل، و " الركام " الذي يركب بعضه بعضاً ويتكاثف، والعرب تقول إن الله تعالى إذا جعل السحاب ركاماً بالريح عصر بعضه بعضاً فخرج { الودق } منه ومن ذلك قوله تعالى:وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجاً } [النبأ: 14] ومن ذلك قول حسان بن ثابت: [الكامل]

كلتاهما حلب العصير   فعاطني بزجاجة أرخاهما للمفصل
ويروى للمِفصل بكسر الميم وبفتح الصاد، فالمِفصل واحد المفاصيل والمفصل اللسان ويروى بالقاف، أراد حسان الخمر والماء الذي مزجت به أي هذه من عصر العنب وهذه من عصر السحاب، فسر هذا التفسير قاضي البصرة عبد الله بن الحسن العنبري للقوم الذين حلف صاحبهم بالطلاق أن يسأل القاضي عن تفسير بيت حسان، و { الودق } المطر ومنه قول الشاعر: [المتقارب]

فلا مزنة ودقت ودقها   ولا أرض أبقل إبقالها
وقرأ جمهور الناس " من خلاله " وهو جمع خلل كجبل وجبال، وقرأ ابن عباس والضحاك " من خلله " ، وقرأ عاصم والأعرج " وينزّل " على المبالغة والجمهور على التخفيف، وقوله { من جبال فيها من برد } قيل تلك حقيقة وقد جعل الله تعالى في السماء جبالاً { من برد } وقالت فرقة ذلك مجاز وإنما أراد وصف كثرته وهذا كما تقول عند فلان جبال من المال وجبال من العلم أي في الكثرة مثل الجبال، وحكي عن الأخفش تقديره زيادة { من } في قوله: { من برد } وهو قول ضعيف، و { من } في قوله { من السماء } هي لابتداء الغاية، وفي قوله { من الجبال } هي للتبعيض، وفي قوله { من برد } هي لبيان الجنس، و " السنا " مقصور، الضوء والسناء، ممدود، المجد والارتفاع في المنزلة، وقرأ الجمهور " سنا " بالقصر، وقرأ طلحة بن مصرف " سناء " بالمد والهمز.

السابقالتالي
2