الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ } * { ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ } * { ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ }

هذا ابتداء كلام والواو في أوله عاطفة جملة الكلام على جملة وإن تباينت في المعاني، واختلف المفسرون في قوله { الإنسان } فقال قتادة وغيره: أراد آدم عليه السلام لأنه استل من الطين ع ويجيء الضمير في قوله { ثم جعلناه } عائداً على ابن آدم وإن كان لم يذكر لشهرة الأمر وأن المعنى لا يصلح إلا له، نظير ذلكحتى توارت بالحجاب } [ص: 32] وغيره، وقال ابن عباس وغيره المراد بقوله { الإنسان } ابن آدم، و { سلالة من طين } صفوة الماء ع وهذا على أنه اسم الجنس ويترتب فيه أَنه سلالة من حيث كان الكل عن آدم أو عن أبويه المتغذيين بما يكون من الماء والطين وذلك السبع الذي جعل الله رزق ابن آدم فيها، وسيجيء قول ابن عباس فيها إن شاء الله، وعلى هذا يجيء قول ابن عباس: إن " السلالة " هي صفوة الماء يعني المني، وقال مجاهد { سلالة من طين }: مني آدم ع وهذا نبيل إذ آدم طين وذريته من سلالة، وما يكون عن الشيء فهو سلالته، وتختلف وجوه ذلك الكون فمنه قولهم للخمر سلالة لأنها سلالة العنب ومنه قول الشاعر: [الطويل]

إذا أنتجت منها المهار تشابهت   على العود إلا بالأنوف سلائله
ومن اللفظ قول هند بنت النعمان بن بشير:

سليلة أفراس تجللها بغل   
ومنه قول الآخر [حسان بن ثابت]: [الطويل]

فجاءت به عضب الأديم غضنفراً   سلالة فرج كان غير حصين
وهذه الفرقة يترتب مع قولها عود الضمير في " جعلنا وأنشأنا " و { النطفة } تقع في اللغة على قليل الماء وعلى كثيره، وهي هنا لمني ابن آدم، و " القرار المكين " من المرأة هو موضع الولد، و " المكين " المتمكن فكأن القرار هو المتمكن في الرحم، و { العلقة } الدم الغريض، و { المضغة } بضعة اللحم قدر ما يمضغ، وقرأ الجمهور { عظاماً } في الموضعين، وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر " عظماً " بالإفراد في الموضعين، وقرأ السلمي وقتادة والأعرج والأعمش بالإفراد أولاً وبالجمع في الثاني، وقرأ مجاهد وأبو رجاء وإبراهيم بن أَبي بكير بعكس ذلك، وفي قراءة ابن مسعود، " ثم جعلنا المضغة عظاماً وعصباً فكسوناه لحماً " ، واختلف الناس في " الخلق الآخر " ، فقال ابن عباس والشعبي وأَبو العالية والضحاك وابن زيد: هو نفخ الروح فيه، وقال ابن عباس أيضاً: خروجه إلى الدنيا، وقال قتادة عن فرقة: نبات شعره، وقال مجاهد: كمال شبابه وقال ابن عباس أيضاً: تصرفه في أمور الدنيا.

قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا التخصيص كله لا وجه له وإنما هو عام في هذا وغيره من وجوه من النطق والإدراك وحسن المحاولة هو بها { آخر } ، وأول رتبة من كونه { آخر } هي نفخ الروح فيه، والطرف الآخر من كونه { آخر } تحصيله المعقولات، و " تبارك " مطاوع بارك فكأنها بمنزلة تعالى وتقدس من معنى البركة، وهذه الآية يروى أن عمر بن الخطاب لما سمع صدر الآية إلى قوله { آخر } قال { فتبارك الله أَحسن الخالقين } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا أنزلت، ويروى أن قائل ذلك معاذ بن جبل، ويروى أَن قائل ذلك هو عبدالله بن أَبي سرح وبهذا السبب ارتد، وقال أنا آتي بمثل ما يأتي به محمد وفيه نزلت:

السابقالتالي
2