الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ } * { إِنِّي جَزَيْتُهُمُ ٱلْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوۤاْ أَنَّهُمْ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ }

قرأ هارون " أنه كان " بفتح الألف وهي قراءة أبي ابن كعب، وروي أن في مصحف أبي بن كعب " أن كان " وهذا كله متعاضد، وفي قراءة ابن مسعود " تكلمون كان فريق " بغير " إنه " وهذه تعضد كسر الألف من " إنه " لأنها استئناف، وهذه الهاء هي مبهمة ضمير للأمر، والكوفيون يسمونها المجهولة وهي عبارة فاسدة، وهذه الآية كلها مما يقال للكفار على جهة التوبيخ، و " الفريق " المشار إليه كل مستضعف من المؤمنين يتفق أن تكون حاله مع كفار في مثل هذه الحال، ونزلت الآية في كفار قريش مع صهيب وبلال وعمار ونظرائهم ثم هي عامة فيمن جرى مجراهم قديماً وبقية الدهر، وقرأ نافع وحمزة والكسائي " سُخرياً " بضم السين، وقرأ الباقون " سِخرياً " بكسرها، فقالت طائفة هما بمعنى واحد وذكر ذلك الطبري، وقال ذلك أبو زيد الأنصاري إنهما بمعنى الهزء، وقال أبو عبيدة وغيره: إن ضم السين من " السخرة " والتخديم وكسر السين من السخر وهو الاستهزاء ومنه قول الأعشى: [البسيط]

إني أتاني حديث لا أسرُّ به   من علو لا كذب ولا سخر
قال أبو علي قراءة كسر السين أوجه لأنه بمعنى الاستهزاء والكسر فيه أكثر وهو أليق بالآية ألا ترى إلى قوله: { وكنتم منهم تضحكون }..

قال القاضي أبو محمد: ألا ترى إلى إجماع القراء على ضم السين في قولهلتخذ بعضهم بعضاً سخرياً } [الزخرف: 32] لما تخلص الأمر للتخديم، قال يونس إذا أريد التخديم فضم السين لا غير، وإذا أريد تخلص الاستهزاء فالضم والكسر، وقرأ أصحاب عبد الله والأعرج وابن أبي إسحاق كل ما في القرآن بضم السين، وقرأ الحسن وأبو عمرو كل ما في القرآن بالكسر إلا التي في الزخرف فإنهما ضما السين كما فعل الناس لأنها من التخديم، وأضاف " الإنسان " إلى " الفريق " من حيث كان بسببهم والمعنى أن اشتغالهم بالهزء بهؤلاء أنساهم ما ينفعهم، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر " أنهم هم الفائزون " بفتح الألف، فـ { جزيتهم } عامل في " أن " ، ويجوز أن يعمل في مفعول محذوف ويكون التقدير لأنهم، وقرأ حمزة والكسائي وخارجة عن نافع " إنهم " بكسر الألف فالمفعول الثاني لـ " جزية " مقدر تقديره الجنة أو الرضوان، و { الفائزون } المنتهون إلى غايتهم التي كانت أملهم، ومعنى الفوز النجاة من هلكة إلى نعمة.