الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ هُمْ كَافِرُونَ } * { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }

روي أن أبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن هشام رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في المسجد فاستهزآ به فنزلت الآية بسببهما، وظاهر الآية أن كفار قريش وعظماءهم يعمهم هذا المعنى من أنهم ينكرون أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أمر آلهتهم وذكره لهم بفساد، و { إن } بمعنى ما وفي الكلام حذف تقديره يقولون { أهذا الذي } وقوله { يذكر } لفظة تعم المدح والذم لكن قرينة المقال أبداً تدل على المراد من الذكر وتم ما حكي عنهم في قوله تعالى: { آلهتكم } ، ثم رد عليهم بأن قرن بإنكارهم ذكر الأصنام كفرهم بذكر الله أي فهم أحق وهم المخطئون. وقوله تعالى: { بذكر } أي بما يجب ان يذكر به ولا إله إلا الله منه.

وقوله { بذكر الرحمن } روي أن الآية نزلت حين أنكروا هذه اللفظة وقالوا ما نعرف الرحمن إلا في اليمامة، وظاهر الكلام أن الرحمن قصد به العبارة عن الله تعالى كما لو قال { وهم بذكر } الله وهذا التأويل أغرق في ضلالهم وخطاهم. وقوله تعالى: { خلق الإنسان من عجل } ، توطئة للرد عليهم في استعجالهم العذاب وطلبهم آية مقترحة وهي مقرونة بعذاب مجهز إن كفروا بعد ذلك، ووصف تعالى الإنسان الذي هو اسم الجنس بأنه " خلق من عجل " وهذا على جهة المبالغة كما تقول للرجل البطال أنت من لعب ولهو وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لست من دد ولا دد مني " ، وهذا نحو قول الشاعر:

وإنا لمما نضرب الكبش ضربة   على رأسه تلقي اللسان على الفم
كأنه مما كانوا أهل ضرب الهام، وملازمة الضرب قال إنهم من الضرب ع وهذا التأويل يتم به معنى الآية المقصود في أن ذمت عجلتهم وقيل لهم على جهة الوعيد إن الآيات ستأتي { فلا تستعجلون } وقال بعض المفسرين في قوله تعالى: { خلق الإنسان من عجل } إنه على المقلوب كأنه أراد خلق العجل من الإنسان على معنى أنه جعل طبيعة من طبائعه وجزءاً من أخلاقه ع وهذا التأويل ليس فيه مبالغة وإنما هو إخبار مجرد وإنما حمل قائليه عليه عدمهم وجه التجوز والاستعارة في أن يبقى الكلام على ترتيبه ونظير هذا القلب الذي قالوه قول العرب: إذا طلعت الشعرى استوى العود على الحرباء، وكما قالوا عرضت الناقة على الحوض وكما قال الشاعر: [البسيط]

حسرت كفي على السربال آخذه   فرداً يخر على أيدي المفدينا
وأما المعنى في تأويل من رأى الكلام من المقلوب فكالمعنى الذي قدمناه، وقالت فرقة من المفسرين قوله { خلق الإنسان من عجل } إنما أراد أن آدم عليه السلام خلقه الله تعالى في آخر ساعة من يوم الجمعة فتعجل به قبل مغيب الشمس، وروى بعضهم أن آدم عليه السلام قال يا رب أكمل خلقي فإن الشمس على الغروب أو غربت ع وهذا قول ضعيف ومعناه لا يناسب معنى الآية، وقالت فرقة العجل الطين والمعنى خلق آدم من طين.

السابقالتالي
2