الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } * { يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } * { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } * { وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً }

المعنى يوم ننسف الجبال يتبع الخلق داعي الله إلى المحشر وهذا نحو قوله تعالىمهطعين إلى الداع } [القمر: 8] وقوله تعالى { لا عوج له } يحتمل أن يريد الإخبار به أي لا شك فيه ولا يخالف وجوده خبره، ويحتمل أن يريد لا محيد لأحد عن اتباعه والمشي نحو صوته. و " الخشوع التطامن والتواضع وهي الأصوات استعارة بمعنى الخفاءِ والاستسرار ومعنى { للرحمن } أي لهيبته وهول مطلع قدرته، و " الهمس " الصوت الخفي الخافت وقد يحتمل أن يريد " بالهمس " المسموع تخافتهم بينهم وكلامهم السر، ويحتمل أن يريد صوت الأقدام وأن أصوات النطق ساكنة. و { من } في قوله { إلا من } يحتمل أن يكون الاستثناء متصلاً وتكون { من } في موضع نصب يراد بها المشفوع له فكأن المعنى { إلا من أذن له الرحمن } في أن يشفع له، ويحتمل أن يكون الاستثناء منقطعاً على تقدير " لكن من أذن له الرحمن يشفع " ، فـ { من } في موضع نصب بالاستثناء ويصح أن يكون في موضع رفع كما يجوز الوجهان في قولك ما في الدار أحد إلا حماراً وإلا حمار والنصب أوجه { من } على هذه التأويلات للشافع ويحتمل أن تكون للمشفوع فيه. وقوله تعالى: { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم } قالت فرقة يريد الملائكة، وقالت فرقة يريد خلقه أجمع، وقد تقدم القول في ترتيب " ما بين اليد وما خلف " في غير موضع على أن جماعة من المفسرين قالوا في هذه الآية { ما خلفهم } الدنيا و { ما بين أيديهم } أمر الآخرة والثواب والعقاب، وهذا بأن نفرضها حالة وقوف حتى نجعلها كالأجرام وأما إن قدرناها في نسق الزمان فالأمر على العكس بحكم ما بيناه قبل. { وعنت } معناه ذلت، والعاني الأسير ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في أمر النساء: " هن عوان عندكم " وهذه حالة الناس يوم القيامة. وقال طلق بن حبيب: أراد سجود الناس على الوجوه والآراب السبعة.

قال القاضي أبو محمد: وإن كان روي هذا أن الناس يوم القيامة سجوداً وجعل هذه الآية إخباراً فهو مستقيم وإن كان أراد سجود الدنيا فإنه أفسد نسق الآية، و { القيوم } بناء مبالغة من قيامه عز وجل على كل شيء بما يجب فيه، و { خاب } معناه لم ينجح ولا ظفر بمطلوبه، والظلم يعم الشرك والمعاصي وخيبة كل حامل بقدر ما حمل من الظلم فخيبة المشرك على الإطلاق، وخيبة المعاصي مقيدة بوقت وحد في العقوبة.