الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جَآءَكُمْ مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ } * { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } * { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ }

البينات التوراة والعصا وفرق البحر وغير ذلك من آيات موسى عليه السلام وقوله تعالى: { ثم اتخذتم } تدل ثم على أنهم فعلوا ذلك بعد مهلة من النظر في الآيات، وذلك أعظم في دينهم، وقد تقدمت قصة اتخاذهم العجل، والضمير في قوله { من بعده } عائد على موسى عليه السلام، أي من بعده حين غاب عنكم في المناجاة، ويحتمل أن يعود الضمير في { بعده } على المجيء. وهذه الآية رد عليهم في أن من آمن بما نزل عليه لا يتخذ العجل، وقد تقدم ذكر أخذ الميثاق ورفع الطور.

وقوله تعالى: { خذوا ما آتيناكم بقوة } يعني التوراة والشرع، و { بقوة } أي بعزم ونشاط وجد. { واسمعوا } معناه هنا: وأطيعوا، وليس معناه الأمر بإدراك القول فقط.

وقالت طائفة من المفسرين: إنهم قالوا { سمعنا وعصينا }. ونطقوا بهذه الألفاظ مبالغة في التعنت والمعصية. وقالت طائفة: ذلك مجاز ولم ينطقوا بـ { سمعنا وعصينا } ، ولكن فعلهم اقتضاه، كما قال الشاعر[الرجز]:

امتلأ الحوض وقال قطني   
وهذا أيضاً احتجاج عليهم في كذب قولهمنؤمن بما أنزل علينا } [البقرة: 91]، وقوله تعالى: { وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم } التقدير حب العجل، والمعنى جعلت قلوبهم تشربه، وهذا تشبيه ومجاز، عبارة عن تمكن أمر العجل في قلوبهم، وقال قوم: إن معنى قوله { وأشربوا في قلوبهم العجل } شربهم الماء الذي ألقى فيه موسى برادة العجل، وذلك أنه برده بالمبرد ورماه في الماء، وقيل لبني إسرائيل: اشربوا من ذلك الماء فشرب جميعهم، فمن كان يحب العجل خرجت برادة الذهب على شفتيه.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قول يرده قوله تعالى: { في قلوبهم } ، وروي أن الذين تبين فيهم حب العجل أصابهم من ذلك الماء الجبن، وقوله تعالى { بكفرهم } يحتمل أن تكون باء السبب، ويحتمل أن تكون بمعنى مع، وقوله تعالى: { قل بِئسما } الآية أمر لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يوبخهم بأنه بئس هذه الأشياء التي فعلتم وأمركم بها إيمانكم الذي زعمتم في قولكمنؤمن بما أنزل علينا } [البقرة: 91]، و " ما " في موضع رفع والتقدير: بئس الشيء قتل واتخاذ عجل وقول { سمعنا وعصينا } ، يجوز أن تكون " ما " في موضع نصب، و { إن كنتم مؤمنين } شرط. وقد يأتي الشرط والشارط يعلم أن الأمر على أحد الجهتين، كما قال الله تعالى عن عيسى عليه السلام:إن كنت قلته فقد علمته } [المائدة: 116]، وقد علم عيسى عليه السلام أنه لم يقله، وكذلك { إن كنتم مؤمنين } ، والقائل يعلم أنهم غير مؤمنين، لكنه إقامة حجة بقياس بيّن، وقال قوم { إن } هنا نافية بمنزلة " ما " كالتي تقدمت، وقرأ الحسن ومسلم بن جندب: " يأمركم بهو إيمانكم " برفع الهاء.

السابقالتالي
2