الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ } * { فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَٰنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ }

{ اسكن } معناه لازم الإقامة، ولفظه لفظ الأمر ومعناه الإذن، و { أنت } تأكيد للضمير الذي في { اسكن } ، { وزوجك } عطف عليه والزوج امرأة الرجل وهذا أشهر من زوجة، وقد تقدم، و { الجنة } البستان عليه حظيرة، واختلف في الجنة التي أسكنها آدم، هل هي جنة الخلد أو جنة أعدت لهما؟ وذهب من لم يجعلها جنة الخلد إلى أن من دخل جنة الخلد لا يخرج منها، وهذا لا يمتنع، إلا أن السمع ورد أن من دخلها مثاباً لا يخرج منها، وأما من دخلها ابتداء كآدم فغير مستحيل ولا ورد سمع بأنه لا يخرج منها.

واختلف متى خلقت حواء من ضلع آدم عليه السلام؟ فقال ابن عباس " حين أنبأ الملائكة بالأسماء وأسجدوا له ألقيت عليه السنة وخلقت حواء، فاستيقظ وهي إلى جانبه " فقال فيما يزعمون: لحمي ودمي، وسكن إليها، فذهبت الملائكة لتجرب علمه، فقالوا له يا آدم ما اسمها؟ قال: حواء. قالوا: ولم؟ قال: لأنها خلقت من شيء حي، ثم قال الله له: { اسكن أنت وزوجك الجنة }.

وقال ابن مسعود وابن عباس أيضاً: لما أسكن آدم الجنة مشى فيها مستوحشاً، فلما نام خلقت حواء من ضلعه القصيرى، ليسكن إليها ويستأنس بها، فلما انتبه رآها، فقال: من أنت؟ قالت: امرأة خلقت من ضلعك لتسكن إلي، وحذفت النون من { كلا } للأمر، والألف الأولى لحركة الكاف حين حذفت الثانية لاجتماع المثلين وهو حذف شاذ، ولفظ هذا الأمر بـ { كلا } معناه الإباحة، بقرينة قوله: { حيث شئتما } والضمير في { منها } عائد على { الجنة }.

وقرأ ابن وثاب والنخعي " رغْداً " بسكون الغين، والجمهور على فتحها، والرغد العيش الدارّ الهنيّ الذي لا عناء فيه، ومنه قول امرىء القيس: [الرمل].

بينما المرء تراه ناعماً   يأمن الأحداث في عيشٍ رَغَدْ
و { رغداً } منصوب على الصفة لمصدر محذوف وقيل: هو نصب على المصدر في موضع الحال، و { حيث } مبنية على الضم، ومن العرب من يبنيها على الفتح، ومن العرب من يعربها حسب موضعها بالرفع والنصب والخفض، كقوله سبحانه:سنستدرجهم من حيث لا يعلمون } [الأعراف: 82، القلم: 44] ومن العرب من يقول " حوث " ، و { شئتما } أصله شيأتما حوّل إلى فعلتما تحركت ياؤه وانفتح ما قبلها جاء شائتما، حذفت الألف الساكنة الممدودة للالتقاء وكسرت الشين لتدل على الياء فجاء شئتما.

قال القاضي أبو محمد: هذا تعليل المبرد، فأما سيبويه فالأصل عنده شيئتما بكسر الياء، نقلت حركة الياء إلى الشين، وحذفت الياء بعد.

وقوله تعالى: { ولا تقربا هذه الشجرة } معناه لا تقرباها، بأكل، لأن الإباحة فيه وقعت.

قال بعض الحذاق: " إن الله لما أراد النهي عن أكل الشجرة نهى عنه بلفظة تقتضي الأكل وما يدعو إليه وهو القرب ".

السابقالتالي
2 3 4