الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } * { سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

قرأ جمهور الناس " زلَلتم " بفتح اللام، وقرأ أبو السمال " زلِلتم " بكسرها، وأصل الزلل في القدم ثم يستعمل في الاعتقادات والآراء وغير ذلك، والمعنى ضللتم وعجتم عن الحق، و { البينات } محمد وآياته ومعجزاته إذا كان الخطاب أولاً لجماعة المؤمنين، وإذا كان الخطاب لأهل الكتابين، فالبينات ما ورد في شرائعهم من الإعلام بمحمد صلى الله عليه وسلم والتعريف به، و { عزيز } صفة مقتضية أنه قادر عليكم لا تعجزونه، ولا تمتنعون منه، و { حكيم } أي محكم فيما يعاقبكم به لزللكم.

وحكى النقاش أن كعب الأحبار لما أسلم كان يتعلم القرآن، فأقرأه الذي كان يعلمه: فاعلموا أن الله غفور رحيم، فقال كعب: إني لأستنكر أن يكون هكذا، ومر بهما رجل، فقال كعب: كيف تقرأ هذه الآية؟ فقرأ الرجل: { فاعلموا أن الله عزيز حكيم } ، فقال كعب: هكذا ينبغي.

وقوله تعالى: { هل ينظرون } الآية، الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، و { هل } من حروف الابتداء كأما، و { ينظرون } معناه ينتظرون، والمراد هؤلاء الذين يزلون، والظلل جمع ظلة وهي ما أظل من فوق، وقرأ قتادة والضحاك " في ظلال " ، وكذلك روى هارون بن حاتم عن أبي بكر عن عاصم هنا، وفي الحرفين في الزمر. وقال عكرمة: { ظلل } طاقات، وقرأ الحسن ويزيد بن القعقاع وأبو حيوة " والملائكةِ " بالخفض عطفاً على { الغمام } ، وقرأ جمهور الناس بالرفع عطفاً على { الله } ، والمعنى يأتيهم حكم الله وأمره ونهيه وعقابه إياهم، وذهب ابن جريج وغيره إلى أن هذا التوعد هو بما يقع في الدنيا.

وقال قوم: بل هو توعد بيوم القيامة، وقال قوم: قوله { إلا أن يأتيهم الله } وعيد بيوم القيامة، وأما الملائكة فالوعيد هو بإتيانهم عند الموت، و { الغمام } أرق السحاب وأصفاه وأحسنه، وهو الذي ظلل به بنو إسرائيل.

وقال النقاش: " هو ضباب أبيض " ، وفي قراءة ابن مسعود " إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام " ، و { قضي الأمر } معناه وقع الجزاء وعذب أهل العصيان، وقرأ معاذ بن جبل " وقضاء الأمر " ، وقرأ بحيى بن يعمر " وقضى الأمور " بالجمع، وقرأ ابن عامر وحمزة الكسائي " تَرجع " على بناء الفعل للفاعل، وقرأ الباقون " تُرجَع " على بنائه للمفعول، وهي راجعة إليه تعالى قبل وبعد، وإنما نبه بذكر ذلك في يوم القيامة على زوال ما كان منها إلى الملوك في الدنيا.

وقوله تعالى: { سل بني إسرائيل } الآية، الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم، وفيه إباحة السؤال لمن شاء من أمته، ومعنى الآية توبيخهم على عنادهم بعد الآيات البينة. وقرأ أبو عمرو في رواية عباس عنه " اسأل " على الأصل، وقرأ قوم " اسل " على نقل الحركة إلى السين وترك الاعتداد بذلك في إبقاء ألف الوصل على لغة من قال الحمر، ومن قرأ " سل " فإنه أزال ألف الوصل حين نقل واستغنى عنها.

السابقالتالي
2 3