الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

" يا " حرف نداء، وفيه تنبيه، و " أي " هو المنادى.

قال أبو علي: " اجتلبت أي بعد حرف النداء فيما فيه الألف واللام لأن في حرف النداء تعريفاً فكان يجتمع تعريفان، و " ها " تنبيه وإشارة إلى المقصود، وهي بمنزلة ذا في الواحد، و { الناس } نعت لازم لأي ".

وقال مجاهد: { يا أيها الناس } حيث وقع في القرآن مكي، و { يا أيها الذين آمنوا } مدني.

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: قد تقدم في أول السورة أنها كلها مدنية، وقد يجيء في المدني { يا أيها الناس } ، وأما قوله في { يا أيها الذين آمنوا } فصحيح.

وقوله تعالى: { اعبدوا ربكم } معناه وحدوه وخصوه بالعبادة، وذكر تعالى خلقه لهم من بين سائر صفاته إذ كانت العرب مقرة بأن الله خلقها، فذكر ذلك حجة عليهم.

و " لعل " في هذه الآية قال فيها كثير من المفسرين هي بمعنى إيجاب التقوى وليست من الله تعالى بمعنى ترجٍّ وتوقُّع.

وقال سيبويه ورؤساء اللسان: هي على بابها، والترجي والتوقع إنما هو في حيز البشر، أي إذا تأملتم حالكم مع عبادة ربكم رجوتم لأنفسكم التقوى، و { لعلكم } متعلقة بقوله: { اعبدوا ربكم } ، ويتجه تعلقها بخلقكم أي لما ولد كل مولود على الفطرة فهو إن تأمله متأمل توقَّع له ورجا أن يكون متقياً، و { تتقون } مأخوذ من الوقاية، وأصله " توتقيون " نقلت حركة الياء إلى القاف وحذفت للالتقاء مع الواو الساكنة وأدغمت الواو الأولى في التاء.

وقوله تعالى: { الذي جعل } نصب على إتباع الذي المتقدم، ويصح أن يكون مرفوعاً على القطع.

وما ذكر مكي من إضمار أعني أو مفعول بـ { تتقون } فضعيف.

وجعل بمعنى صير في هذه الآية لتعديها إلى مفعولين، و { فراشاً } معناه تفترشونها وتستقرون عليها، وما في الأرض مما ليس بفراش كالجبال والبحار فهو من مصالح ما يفترش منها، لأن الجبال كالأوتاد والبحار يركب فيها إلى سائر منافعها، و { السماء } قيل هو اسم مفرد جمعه " سماوات " ، وقيل هو جمع واحده " سماوة " ، وكل ما ارتفع عليك في الهواء سماء، والهواء نفسه علواً يقال له " سماء " ، ومنه الحديث: " خلق الله آدم طوله في السماء ستون ذراعاً " ، واللفظة من السمو وتصاريفه.

وقوله تعالى: { بناء } تشبيه بما يفهم، كما قال تعالى:والسماء بنيناها بأييد } [الذاريات: 47].

وقال بعض الصحابة: " بناها على الأرض كالقبة ".

وقوله: { وأنزل من السماء } يريد السحاب، سمي بذلك تجوزاً لما كان يلي السماء ويقاربها وقد سموا المطر سماء للمجاورة، ومنه قول الشاعر: [الوافر].

السابقالتالي
2