الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }

الاسم من { ذلك } الذال والألف، وقيل الذال وحدها، والألف تقوية، واللام لبعد المشار إليه وللتأكيد، والكاف للخطاب، وموضع { ذلك } رفع كأنه ابتداء، أو ابتداء وخبره بعده، واختلف في { ذلك } هنا فقيل: هو بمعنى " هذا " ، وتكون الإشارة إلى هذه الحروف من القرآن.

قال القاضي أبو محمد: وذلك أنه قد يشار بـ " ذلك " إلى حاضر تعلق به بعض الغيبة وبـ " هذا " إلى غائب هو من الثبوت والحضور بمنزلة وقُرْب. وقيل: هو على بابه إِشارة إلى غائب، واختلف في ذلك الغائب، فقيل: ما قد كان نزل من القرآن، وقيل: التوراة والإنجيل، وقيل: اللوح المحفوظ؛ أي الكتاب الذي هو القدر وقيل: إن الله قد كان وعد نبيه أن ينزل عليه كتاباً لا يمحوه الماء، فأشار إلى ذلك الوعد.

وقال الكسائي: " { ذلك } إشارة إلى القرآن الذي في السماء لم ينزل بعد ". وقيل: إن الله قد كان وعد أهل الكتاب أن ينزل على محمد كتاباً، فالإشارة إلى ذلك الوعد، وقيل: إن الإشارة إلى حروف المعجم في قول من قال { الم } حروف المعجم التي تحديتكم بالنظم منها.

ولفظ { الكتاب } مأخوذ من " كتبتُ الشيء " إذا جمعتَه وضممتَ بعضه إلى بعض ككتبَ الخَرَز بضم الكاف وفتح التاء وكتبَ الناقة.

ورفع { الكتاب } يتوجه على البدل أو على خبر الابتداء أو على عطف البيان. و { لا ريب فيه } معناه: لا شكّ فيه ولا ارتياب به؛ والمعنى أنه في ذاته لا ريب فيه وإن وقع ريبٌ للكفار.

وقال قوم: لفظ قوله { لا ريب } فيه لفظ الخبر ومعناه النهي.

وقال قوم: هو عموم يراد به الخصوص؛ أي عند المؤمنين.

قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف.

وقرأ الزهري، وابن محيصن، ومسلم بن جندب، وعبيد بن عمير: " فِيهُ " بضم الهاء؛ وكذلك " إليهُ " و " علَيْهُ " و " بِهُ " و " نُصْلِهُ " ونولهُ وما أشبه ذلك حيث وقع على الأصل. وقرأ ابن إسحاق: " فيهو " ضم الهاء ووصلها بواو.

و { هدى } معناه رشاد وبيان، وموضعه، من الإعراب رفع على أنه خبر { ذلك } ، أو خبر ابتداء مضمر، أو ابتداء وخبره في المجرور قبله، ويصح أن يكون موضعه نصباً على الحال من ذلك، أو من الكتاب، ويكون العامل فيه معنى الإشارة، أو من الضمير في { فيه } ، والعامل معنى الاستقرار؛ وفي هذا القول ضعف.

وقوله { للمتقين } اللفظ مأخوذ من وَقَى، وفعله اتَّقى، على وزن افتعل، وأصله " للموتقيين " استثقلت الكسرة على الياء فسكنت وحذفت للالتقاء، وأبدلت الواو تاءً على أصلهم في اجتماع الواو والتاء، وأدغمت التاء في التاء فصار { للمتقين }. والمعنى: الذين يتقون الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب معاصيه، كان ذلك وقاية بينهم وبين عذاب الله.