الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم وَأَخْرِجُوهُمْ مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ } * { فَإِنِ ٱنتَهَوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ للَّهِ فَإِنِ ٱنْتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلشَّهْرُ ٱلْحَرَامُ بِٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ }

قال ابن إسحاق وغيره: نزلت هذه الآيات في شأن عمرو بن الحضرمي وواقد، وهي سرية عبد الله بن جحش، و { ثقفتموهم } معناه أحكمتم غلبهم ولقيتموهم قادرين عليهم، يقال رجل ثقف لقف إذا كان محكماً لما يتناوله من الأمور، { وأخرجوهم }.

قال الطبري: " الخطاب للمهاجرين، والضمير لكفار قريش ".

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: بل الخطاب لجميع المؤمنين، ويقال { أخرجوكم } إذا أخرجوا بعضهم الأجل قدراً وهم النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرون، { والفتنة أشد من القتل } أي الفتنة التي حملوكم عليها وراموكم بها على الرجوع إلى الكفر أشد من القتل.

قال مجاهد: " أي من أن يقتل المؤمن، فالقتل أخف عليه من الفتنة ".

قال غيره: بل المعنى الفتنة التي فعلوا أشد في هتك حرمات الحق من القتل الذي أبيح لكم أيها المؤمنون أن توقعوه بهم، ويحتمل أن يكون المعنى والفتنة أي الكفر والضلال الذي هم فيه أشد في الحرم وأعظم جرماً من القتل الذي عيروكم به في شأن ابن الحضرمي.

وقوله تعالى: { ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام } الآية، قال الجمهور: كان هذا ثم نسخ وأمر بالقتال في كل موضع.

قال الربيع: نسخه { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة }.

وقال قتادة: نسخة قوله تعالى:فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [التوبة: 5].

وقال مجاهد: " الآية محكمة ولا يجوز قتال أحد في المسجد الحرام إلا بعد أن يقاتل ".

وقرأ حمزة والكسائي والأعمش " ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه فإن قتلوكم فاقتلوهم " بالقتل في الأربعة، ولا خلاف في الأخيرة أنها { فاقتلوهم } ، والمعنى على قراءة حمزة والكسائي: فإن قتلوا منكم فاقتلوهم أيها الباقون، وذلك كقوله تعالى:قتل معه ربيون كثير فما وهنوا } [آل عمران: 146] أي فما وهن الباقون، والانتهاء في هذه الآية هو الدخول في الإسلام، لأن غفران الله ورحمته إنما تكون مع ذلك.

وقوله تعالى: { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } أمر بالقتال لكل مشرك في كل موضع على قول من رآها ناسخة، ومن رآها غير ناسخة قال: المعنى قاتلوا هؤلاء الذين قال الله فيهم { فإن قاتلوكم } ، والأول أظهر، وهو أمر بقتال مطلق لا بشرط أن يبدأ الكفار، دليل ذلك قوله { ويكون الدين لله } ، والفتنة هنا: الشرك وما تابعه من أذى المؤمنين، قاله ابن عباس وقتادة والربيع والسدي، و { الدين } هنا الطاعة والشرع. وقال الأعشى ميمون بن قيس: [الخفيف]

هو دان الرباب إذ كرهوا الديـ   ـن دراكاً بغزوةٍ وصيال
والانتهاء في هذا الموضع يصح مع عموم الآية في الكفار أن يكون الدخول في الإسلام، ويصح أن يكون أداء الجزية، وسمى ما يصنع بالظالمين عدواناً من حيث هو جزاء عدوان إذ الظلم يتضمن العدوان، والعقوبة تسمى باسم الذنب في غير ما موضع، والظالمون هم على أحد التأويلين: من بدأ بقتال، وعلى التأويل الآخر: من بقي على كفر وفتنة.

السابقالتالي
2