الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

الضمير في { بدله } عائد على الإيصاء وأمر الميت وكذلك في { سمعه } ، ويحتمل أن يعود الذي في { سمعه } على أمر الله تعالى في هذه الآية، والقول الأول أسبق للناظر، لكن في ضمنه أن يكون المبدل عالماً بالنهي عامداً لخلافه، والضمير في { إثمه } عائد على التبديل، و { سميع عليم } صفتان لا يخفى معهما شيء من جنف الموصين وتبديل المتعدين، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم " من موَصّ " بفتح الواو وتشديد الصاد، وقرأ الباقون بسكون الواو، والجنف الميل، وقال الأعشى: [الطويل]

تجانِفُ عَنْ حِجْرِ الْيَمَامَةِ نَاقَتي   وَمَا قَصَدَتْ مِنْ أَهْلِهَا لِسِوَائِكَا
وقال عامر الرامي الحضرمي المحاربي: [الوافر]

هُمُ الْمَوْلَى وَقَدْ جَنَفُوا عَلَيْنَا   وإِنَّا مِنْ عَدَواتِهِمْ لَزُورُ
ومعنى الآية على ما قال مجاهد: من خشي أن يحيف الموصي ويقطع ميراث طائفة ويتعمد الإذاية أو يأتيها دون تعمد وذلك هو الجنف دون إثم وإذا تعمد فهو الجنف في إثم، فالمعنى: من وعظه في ذلك ورده عنه فصلح بذلك ما بينه وبين ورثته وما بين الورثة في ذاتهم { فلا إثم،عليه، إن الله غفور } عن الموصي إذا عملت فيه الموعظة ورجع عما أراد من الإذاية { رحيم } به.

وقال ابن عباس رضي الله عنه وقتادة والربيع: معنى الآية، من خاف أي علم ورأى وأتى علمه عليه بعد موت الموصي أن الموصي خلف وجنف وتعمد إذاية بعض ورثته فأصلح ما وقع بين الورثة من الاضطراب والشقاق فلا إثم عليه، أي لا يلحقه إثم المبدل المذكور قبل وإن كان في فعله تبديل ما ولا بد، لكنه تبديل لمصلحة، والتبديل الذي فيه الإثم إنما هو تبديل الهوى. وقرأ عبد الله بن عمر رضي الله عنه: " فلإثم عليه " بحذف الألف، و { كتب }: معناه فرض.

والصيام في اللغة الإمساك وترك التنقل من حالٍ إلى حال، ومنه قول النابغة: [البسيط]

خَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ   تَحْتَ العَجَاجِ وَخَيْلٌ تَعْلِكُ اللُّجُمَا
أي خيل ثابتة ممسكة، ومنه قول الله تعالى:إني نذرت للرحمن صوماً } [مريم: 26] أي إمساكاً عن الكلام، ومنه قول امرىء القيس: [الطويل]

كأَنَّ الثُّريَّا عُلِّقَتْ في مَصَامها   
أي في موضع ثبوتها وامتساكها، ومنه قوله: [الطويل]

فَدَعْ ذَا وَسَلِّ الْهَمِّ عَنْكَ بِجَسْرَةٍ   ذَمُولٍ إِذَا صَامَ النَّهَارُ وَهَجَّرَا
أي وقفت الشمس عن الانتقال وثبتت، والصيام في الشرع إمساك عن الطعام والشراب مقترنة به قرائن من مراعاة أوقات وغير ذلك، فهو من مجمل القرآن في قول الحذاق، والكاف من قوله { كما } في موضع نصب على النعت، تقديره كتباً كما، أو صوماً كما، أو على الحال كأن الكلام: كتب عليكم الصيام مشبهاً ما كتب على الذين من قبلكم.

السابقالتالي
2 3 4 5