الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلْكِتَابِ أُولَـٰئِكَ يَلعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللاَّعِنُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }

{ الصفا والمروة }: جبيلان بمكة، و { الصفا } جمع صفاة، وقيل: هو اسم مفرد جمعه صفى وأصفاء، وهي الصخرة العظيمة، قال الراجز: [الرجز]

مواقعُ الطَّيرِ على الصَّفى   
وقيل: من شروط الصفا البياض والصلابة، و { المروة } واحدة المرو، وهي الحجارة الصغار التي فيها لين، ومنه قول الذي أصاب شاته الموت من الصحابة " فذكيتها بمروة " ، ومنه قيل الأمين: " اخرجني إلى أخي فإن قتلني فمروة كسرت مروة، وصمصامة قطعت صمصامة " ، وقد قيل في المرو: إنها الصلاب. قال الشاعر: [الوافر]

وَتَوَلَّى الأَرْضَ خِفّاً ذَابِلاً   فإذَا ما صَادَفَ الْمَرْوَ رَضَخْ
والصحيح أن المرو الحجارة صليبها ورخوها الذي يتشظى وترق حاشيته، وفي هذا يقال المرو أكثر، وقد يقال في الصليب، وتأمل قول أبي ذؤيب: [الكامل]

حتى كأني للحوادث مروة   بصفا المشقر كل يوم تقرع
وجبيل { الصفا } بمكة صليب، وجبيل { المروة } إلى اللين ماهق، فبذلك سميا، قال قوم: ذكر { الصفا } لأن آدم وقف عليه، ووقفت حواء على المروة فانثت لذلك.

وقال الشعبي: " كان على الصفا صنم يدعى إسافاً، وعلى المروة صنم يدعى نائلة " ، فاطرَد ذلك في التذكير والتأنيث وقدم المذكر، و { من شعائر الله } معناه من معالمه ومواضع عبادته، وهي جمع شعيرة أو شعارة، وقال مجاهد: ذلك راجع إلى القول، أي مما أشعركم الله بفضله، مأخوذ من تشعرت إذا تحسست، وشعرت مأخوذ من الشعار وهو ما يلي الجسد من الثياب، والشعار مأخوذ من الشعر، ومن هذه اللفظة هو الشاعر: و { حج } معناه قصد وتكرر، ومنه قول الشاعر: [الطويل]

وأَشْهَدُ مِنْ عوفٍ حلولاً كثيرةً   يحجُّونَ سَبَّ الزِّبْرِقَانِ الْمُزَعْفَرَا
ومنه قول الآخر: [البسيط]

يحج مأمومةً في قَعْرِها لجفُ   
و { اعتمر } زار وتكرر مأخوذ من عمرت الموضع، والـ { جناح } الإثم الميل عن الحق والطاعة، ومن اللفظة الجناح لأنه في شق، ومنه قيل للخبا جناح لتمايله وكونه كذي أجنحة، ومنه:وإن جنحوا للسلم فاجنح لها } [الأنفال: 61]، و { يطوف } أصله يتطوف سكنت التاء وأدغمت في الطاء.

وقرأ أبو السمال " أن يطاف " وأصله يطتوف تحركت الواو وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفاً فجاء يطتاف أدغمت التاء بعد الإسكان في الطاء على مذهب من أجاز إدغام الثاني في الأول، كما جاء في مدكر، ومن لم يجز ذلك قال قلبت طاء ثم أدغمت الطاء في الطاء، وفي هذا نظر لأن الأصلي أدغم في الزائد وذلك ضعيف.

وروي عن ابن عباس وأنس بن مالك وشهر بن حوشب أنهم قرؤوا " أن لا يتطوف " وكذلك في مصحف عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب " أن لا يطوف " ، قيل: " أن لا يطوف " بضم الطاء وسكون الواو.

السابقالتالي
2 3 4