الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً } * { كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً } * { فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً } * { يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً } * { وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً } * { لاَّ يَمْلِكُونَ ٱلشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً }

اتخذ افتعل من أخذ لكنه يتضمن إعداداً من المتخذ وليس ذلك في أخذ، والضمير في { اتخذوا } لعبادة الأوثان والآلهة الأصنام، وكل ما عبد من دون الله، ومعنى قوله { عزاً } العموم في النصرة والمنفعة وغير ذلك من وجوه الخير، وقوله { كلا } زجر، وردع، وهذا المعنى لازم لـ { كلا } فإن كان القول المردود منصوصاً عليه بأن المعنى، وإن لم يكن منصوصاً عليه فلا بد من أمر مردود يتضمنه القول كقوله عز وجلكلا إن الإنسان ليطغى } [العلق: 6] فإن قولهعلم الإنسان ما لم يعلم } [العلق: 5] يتضمن مع ما قبله أن الإنسان يزعم من نفسه ويرى أن له حولاً ما ولا يتفكر جداً في أن الله علمه ما لم يعلم وأنعم عليه بذلك وإلا كان معمور جهل، وقرأ الجمهور " كلا " على ما فسرناه، وقرأ أبو نهيك " كَلاً " بفتح الكاف والتنوين حكاه عنه أبو الفتح وهو نعت لـ { آلهة } وحكى عنه أبو عمرو الداني " كُلاً " بضم الكاف والتنوين وهو منصوب بفعل مضمر يدل عليه سيكفرون تقديره يرفضون أو ينكرون أو يجحدون أو نحوه، واختلف المفسرون في الضمير الذي في { سيكفرون } وفي { بعبادتهم } فقالت فرقة: الأول للكفار والثاني للمعبودين والمعنى أنه سيجيء يوم القيامة من الهول على الكفار والشدة ما يدفعهم الى جحد الكفر وعبادة الأوثان، وذلك كقوله تعالى حكاية عنهموالله ربنا ما كنا مشركين } [الأنعام: 23] وقالت فرقة: الأول للمعبودين والثاني للكفار والمعنى أن الله تعالى يجعل للأصنام حياة تنكر بها ومعها عبادة الكفار وأن يكون لها من ذلك ذنب، وأما المعبود من الملائكة وغيرهم فهذا منهم بين. وقوله { ضداً } معناه يجيئهم منهم خلاف ما كانوا أملوه فيؤول ذلك بهم الى ذلة ضد ما أملوه من العز وهذه الصفة عامة، وقال قتادة { ضداً } معناه قرناء، وقال ابن عباس: معناه أعواناً، وقال الضحاك: أعداء، وقال ابن زيد: بلاء، وقيل غير هذا مما لفظ القرآن أعم منه وأجمع للمعنى المقصود، والضد هنا مصدر وصف به الجمع كما يوصف به الواحد، وحكى الطبري عن أبي نهيك أنه قرأ " كل " بالرفع ورفعها بالابتداء، وقوله { ألم تر أنا أرسلنا الشياطين } الآية، الرؤية في الآية رؤية القلب، و { أرسلنا } معناه سلطنا أو لم نحل بينهم وبينهم فكله تسليط وهو مثل قوله نقيض له شيطان وتعديته بـ { على } دال على أن تسليط، و { تؤزهم } معناه تغليهم وتحركهم الى الكفر والضلال قال قتادة تزعجهم إزعاجاً، قال ابن زيد: تشليهم أشلاء ومنه أزيز القدر وهو غليانه وحركته ومنه الحديث أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم " فوجدته يصلي وهو يبكي ولصدره أزيز كأزيز المرجل " وقوله { فلا تعجل عليهم } أي لا تستبطىء عذابهم وتحب تعجيله، وقوله { نعد لهم عداً } أي مدة نعمتهم وقبيح أعمالهم لنصيرهم إلى العذاب إما في الدنيا وإلا ففي الأخرة، قال ابن عباس: نعد أنفاسهم.

السابقالتالي
2 3