الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } * { رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَٱعْبُدْهُ وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً }

قرأ الجمهور " وما نتنزل " بالنون كأن جبريل عنى نفسه والملائكة، وقرأ الأعرج وما " يتنزل " بالياء على أنه خبر من الله أن جبريل لا يتنزل، قال هذا التأويل بعض المفسرين، ويرده قوله { ما بين أيدينا } لأنه لا يطرد معه وإنما يتجه أن يكون خبراً من جبريل أن القرآن لا يتنزل إلا بأمر الله في الأوقات التي يقدرها. ورويت قراءة الأعرج بضم الياء، وقرأ ابن مسعود " إلا بقول ربك " ، وقال ابن عباس وغيره: سبب هذه الآية، أن النبي عليه السلام أبطأ عنه جبريل مرة فلما جاءه قال " يا جبريل قد اشتقت اليك أفلا تزورنا أكثر مما تزورنا " فنزلت هذه الآية. وقال مجاهد والضحاك: سببها أن جبريل تأخر عن النبي صلى الله عليه وسلم عند قوله في السؤالات المتقدمة في سورة الكهف " غداً أخبركم " حتى فرح بذلك المشركون واهتم رسول الله صلى عليه وسلم، ثم جاء جبريل ونزلت هذه في ذلك المعنى، فهي كالتي في الضحى، وهذه الواو التي في قوله { وما نتنزل } هي عاطفة جملة كلام على أخرى وواصلة بين القولين وإن لم يكن معناهما واحداً. وحكى النقاش عن قوم أن قوله { وما نتنزل } متصل بقولهإنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً } [مريم: 19]، وهذا قول ضعيف، وقوله { ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك } لفظ يحتاج إلى ثلاث مراتب، واختلف المفسرون فيها، فقال أبو العالية " ما بين الأيدي " في الدنيا بأسرها الى النفخة الأولى، " وما خلف " الآخرة من وقت البعث { وما بين ذلك } ما بين النفختين. وقال ابن جريج " ما بين الأيدي " هو ما مر من الزمن قبل إيجاد من في الضمير، " وما خلف " هو ما بعد موتهم إلى استمرار الآخرة { وما بين ذلك } هو مدة الحياة.

قال القاضي أبو محمد: والآية إنما المقصد بها الإشعار بملك الله تعالى لملائكه وأن قليل تصرفهم وكثيره إنما هو بأمره وانتقالهم من مكان إلى مكان، إنما هو بحكمته إذ الأمكنة له وهم له، فلو ذهب بالآية إلى أن المراد بـ " ما بين الأيدي وما خلف " الأمكنة التي فيها تصرفهم، والمراد بـ { ما بين ذلك } هم أنفسهم ومقاماتهم لكان وجهها كأنه قال نحن مقيدون بالقدرة لا ننتقل ولا نتتزل إلا بأمر ربك. وقال ابن عباس وقتادة فيما روي وما أراه صحيحاً عنهما " ما بين الأيدي هي الآخرة وما خلف هو الدنيا " وهذا مختل المعنى إلا على التشبيه بالمكان لأن ما بين اليد إنما هو ما تقدم وجوده في الزمن بمثابة التوارة والإنجيل من القرآن وقول أبي العالية إنما يتصور في بني آدم وهذه المقالة هي للملائكة فتأمله.

السابقالتالي
2