الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِ فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَيّاً } * { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً } * { جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً } * { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } * { تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً }

" الخَلف " بفتح اللام القرن يأتي بعد آخر يمضي، والابن بعد الأب، وقد يستعمل في سائر الأمور. " والخلْف " بسكون اللام مستعمل إذا كان الآتي مذموماً هذا مشهور كلام العرب وقد ذكر عن بعضهم أن الخلَف والخلْف بمعنى واحد وحجة ذلك قول الشاعر:

لنا القدم الأولى إليك وخلفنا   لأولنا في طاعة الله تابع
وقرأ الجمهور " الصلاة " بالإفراد، وقرأ الحسن " أضاعوا الصلوات " بالجمع، وكذلك في مصحف ابن مسعود، والمراد بـ " الخلف " من كفر أو عصى بعد من بني إسرائيل، وقال مجاهد: المراد النصارى خلفوا بعد اليهود وقال محمد بن كعب ومجاهد وعطاء: هم قوم من أمة محمد آخر الزمان، أي يكون في هذه الامة من هذه صفته لا أنهم المراد بهذه الآية، وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " كان الخلف بعد ستين سنة " وهذا عرف إلى يوم القيامة وتتجدد أيضاً المبادئ، واختلف الناس في " إضاعة الصلاة " منهم، فقال محمد بن كعب القرظي وغيره: " كانت اضاعة كفر وجحد بها ". وقال القاسم بن مخيمرة وعبدالله بن مسعود: " كانت اضاعة أوقاتها والمحافظة على أوانها " وذكره الطبري عن عمر ين عبدالعزيز رضي الله عنه في حديث طويل. و { الشهوات } عموم وكل ما ذكر من ذلك فمثال، و " الغي " الخسران والحصول في الورطات ومنه قول الشاعر: [الطويل]

فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره   ومن يغو لا يعدم على الغي لائما
وبه فسر ابن زيد هذه الآية، وقد يكون " الغي " أيضاً بمعنى الضلال فيكون على هذا هنا حذف مضاف تقديره " يلقون جزاء الغي " وبهذا فسر الزجاج. وقال عبدالله بن عمرو وابن مسعود " غي " واد في جهنم وبه وقع التوعد في هذه الآية، وقيل " غي وآثام، نيران في جهنم " رواه أبو أمامة الباهلي عن النبي عليه السلام. وقوله { إلا من تاب } استثناء يحتمل الاتصال والانقطاع، وقوله { وآمن } يقتضي أن الإضافة أولاً هي إضاعة كفر هذا مع اتصال الاستثناء، وعليه فسر الطبري. وقرأ الجمهور " يُدخَلون " بضم الياء وفتح الخاء، وقرأ الحسن كل ما في القرآن " يَدخُلون " بفتح الياء وضم الخاء، وقوله { جنات عدن } ، وقرأ جمهور الناس " جناتِ عدن " بنصب الجنات على البدل من قوله { يدخلون الجنة } ، وقرأ الحسن وعيسى بن عمر وأبو حيوة " جناتُ " برفعها على تقدير تلك الجنات، وقرأ علي بن صالح " جنةَ " على الإفراد والنصب وكذلك في مصحف ابن مسعود وقرأها الأعمش، و " العدن " الإقامة المستمرة، قوله { بالغيب } أي أخبرهم من ذلك بما غاب عنهم، وفي هذا مدح لهم عن سرعة إيمانهم وبدراهم إذ لم يعاينوا.

السابقالتالي
2