الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } * { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىۤ أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّي شَقِيّاً } * { فَلَمَّا ٱعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً } * { وَوَهَبْنَا لَهْم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً }

قرأ أبو البرهسم " سلاماً عليك " بالنصب، واختلف أهل العلم في معنى تسلميه عليه، فقال بعضهم هي تحية مفارق وجوزوا تحية الكافر وأن يبدأ بها. وقال الجمهور: ذلك التسليم بمعنى المسالمة لا بمعنى التحية، قال الطبري معناه أمنة مني لك، وهذا قول الجمهور وهم لا يرون ابتداء الكافر بالسلام، وقال النقاش: حليم خاطب سفيهاً كما قال، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً، ورفع السلام بالابتداء، وجاز ذلك مع نكرته لأنها نكرة مخصصة فقربت من المعرفة ولأنه في موضع المنصوب الذي هو سلمت سلاماً وهذا كما يجوز ذلك في ما هو في معنى الفاعل كقولهم شراً أهرّ ذا ناب، هذا مقال سيبويه، وقوله تعالى { سأستغفر } معناه سأدعو الله تعالى في أن يهديك فيغفر لك بإيمانك وهذا أظهر من أن يتأول على إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم أنه لم يعلم أن الله لا يغفر لكافر، وقد يجوز أن يكون إبراهيم عليه السلام أول نبي أوحي إليه أن لا يغفر لكافر، لأن هذه العقيدة إنما طريقها السمع، فكانت هذه المقالة منه لأبيه قبل أن يوحى إليه ذلك، وإبراهيم عليه السلام إنما تبين له في أبيه أنه عدو لله بأحد وجهبن إما بموته على الكفر كما روي وإما بأن أوحي إليه تعسف الحتم عليه، وقال مكي عن السدي: أخره بالاستغفار الى السحر، وهذا تعسف، وإنما ذكر ذلك في أمر يعقوب وبنيه وأما هذا فوعد باستغفار كثير مؤتنف فالسين متمكنة. و " الحفي " المبتهل المتلطف وهذا شكر من إبراهيم لنعم الله تعالى عليه، ثم أخبره أنه يعتزلهم أي يصير عنهم بمعزل، ويروى أنهم كانوا بأرض كوثا فرحل إبراهيم عليه السلام حتى نزل الشام وفي سفرته تلك لقي الجبار الذي أخدم هاجر بسارة الحديث بطوله، و { تدعون } بمعنى تعبدون، وقوله { عسى } ترج، في ضمنه خوف شديد، وقوله { فلما اعتزلهم } الى آخر الآية، إخبار من الله تعالى لمحمد عليه السلام أنه لما رحل عن بلد أبيه وقومه عوضه الله من ذلك ابنه { إسحاق } وابنه { يعقوب } وجعل له الولد تسلية وشداً لعضده، و { إسحاق } أصغر من إسماعيل، ولما حملت هاجر بإسماعيل غارت سارة فحملت بـ { إسحاق } هذا ما روي، وقوله { ووهبنا لهم من رحمتنا } يريد العلم والمنزلة والشرف في الدنيا والنعيم في الأخرة، كل ذلك من رحمة الله، و " لسان الصدق " هو الثناء الباقي عليهم أخر الأبد، قاله ابن عباس. واللسان في كلام العرب المقالة الذائعة كانت في خير أو شر ومنه قول الشاعر: [البسيط].

إني أتتني لسان لا أسر بها   من علو لا كذب فيها ولا سخر
وقال آخر: [الوافر]

" ندمت على لسان فات مني "   
وإبراهيم الخليل وبنوه معظمون في جميع الأمم والملل صلى الله عليهم أجمعين.