الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً } * { قَالَ إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً } * { وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ وَٱلزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً } * { وَبَرّاً بِوَٰلِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً } * { وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً }

التزمت مريم عليها السلام ما أمرت به من ترك الكلام ولم يرد في هذه الآية أنها نطقت بـإني نذرت للرحمن صوماً } [مريم: 26] وإنما ورد انها { أشارت إليه } فيقوى بهذا القول من قال إن أمرها بـ " قولي " إنما أريد به الإشارة، ويروى أنهم لما أشارت إلى الطفل قالوا استخفافها بنا أشد علينا من زناها، ثم قالوا لها على جهة التقرير { كيف نكلم من كان في المهد صبياً } وإنما هي في معنى هو ويحتمل أن تكون الناقصة والأظهر أنها التامة وقد قال أبو عبيدة { كان } هنا لغو، وقال الزجاج والفراء { مَنْ } شرطية في قوله { من كان } " ع " ونظير كان هذه قول رؤية: [الرجز]

أبعد ان لاح بك القتير   والرأس قد كان له شكير
و { صبياً } إما خبر { كان } على تجوز وتخيل في كونها ناقصة، وإما حال يعمل فيه الاستقرار المقدر في الكلام. وروي أن { المهد } يراد به حجر أمه قال لهم عيسى من مرقده { إني عبد الله } الآية وروي أنه قام متكئاً على يساره وأشار إليهم بسبابته اليمنى، و { الكتاب } هو الإنجيل ويحتمل أن يريد التوراة والإنجيل، ويكون الإيتاء فيهما مختلفاً، و { آتاني } معناه قضي بذلك وأنفذه في سابق حكمه وهذا نحو قوله تعالىأتى أمر الله } [النحل:1]، وغير هذا. وأمال الكسائي " آتاني وأوصاني " والباقون لا يميلون، قال أبو علي الأمالة في { آتاني } أحسن لأن في { أوصاني } مستعلياً. و { مباركاً } قال مجاهد معناه نفاعاً، وقال سفيان معلم خير وقيل آمراً بمعروف ناهياً عن منكر، وقال رجل لبعض العلماء ما الذي أعلن من علمي قال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنه دين الله الذي بعث به أنبياءه. وأسند النقاش عن الضحاك أنه قال { مباركاً } معناه قضاء للحوائج (ع) وقوله { مباركاً } يعم هذه الوجوه وغيرها. و { الصلاة والزكاة } قيل هما المشروعتان في البدن والمال، وقيل زكاة الرؤوس في الفطر، وقيل { الصلاة } الدعاء { والزكاة } التطهير من كل عيب ونقص ومعصية. وقرأ " دُمت " بضم الدال عاصم وجماعة، وقرأ " دِمت " بكسرها أهل المدينة وابن كثير وأبو عمرو وجماعة، وقرأ الجمهور " وَبَراً " بفتح الباء وهو الكثير البر ونصبه على قوله { مباركاً } ، وقرأ أبو نهيك وأبو مجلز وجماعة " بِراً " بكسر الباء فقال بعضها نصبه على العطف على قوله { مباركاً } فكأنه قال وذا بر فاتصف بالمصدر كعدل ونحوه، وقال بعضهما نصبه بقوله { وأوصاني } أي " وأوصاني براً بوالدتي " حذف الجار كأنه يريد " وأوصاني ببر والدتي ". وحكى الزهراوي هذه القراءة " وبرٍّ " بالخفض عطفاً على { الزكاة } ، وقوله { بوالدتي } بيان لنه لا والد له، وبهذا القول برأها قومها.

السابقالتالي
2