الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَبُّكَ ٱلْغَفُورُ ذُو ٱلرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاً } * { وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً } * { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَٰهُ لاۤ أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً }

لما أخبر تعالى عن القوم الذين حتم بكفرهم، أنهم لا يهتدون أبداً، عقب ذلك بأنه للمؤمنين، { الغفور ذو الرحمة } ، ويتحصل للكفار من صفته تعالى بالغفران والرحمة، ترك المعاجلة، ولو أخذوا بحسب ما يستحقونه لبادرهم بالعذاب المبيد لهم، ولكنه تعالى أخرهم إلى موعد لا يجدون عنه منجي، قالت فرقة هو أجل الموت، وقالت فرقة هو عذاب الآخرة، وقال الطبري هو يوم بدر، والحشر و " الموثل " المنجى يقال: وأل الرجل يئل إذا نجا. ومنه قول الشاعر:

لا وألت نفسك خيلتها   للعامريين ولم تكلم
ومنه قول الأعشى: [البسيط]

وقد أخالس رب البيت غفلته   وقد يحاذر مني ثم ما يئل
ثم عقب تعالى توعدهم بذكر الأمثلة من القرى التي نزل بها ما توعد هؤلاء بمثله، وفي قوله { وتلك القرى } حذف مضاف تقديره { وتلك } أهل { القرى } يدل على ذلك قوله { أهلكناهم } فرد الضمير على أهل القرى، و { القرى }: المدن، وهذه الإشارة إلى عاد وثمود ومدين وغيرهم. { وتلك } ابتداء، و { القرى } صفته، و { أهلكناهم } خبر، ويصح أن يكون { تلك } منصوباً بفعل يدل عليه { أهلكناهم }. وقرأ الجمهور " لَمُهلكهم " بضم الميم وفتح اللام، من أهلك، ومفعل في مثل هذا يكون لزمن الشيء، ولمكانه، ويكون مصدراً فالمصدر على هذا مضاف إلى المفعول، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر " لَمَهلكهم " بفتح الميم واللام وقرأ في رواية حفص " لِمَهلكهم " بفتح الميم وكسر اللام، وهو مصدر من هلك، وهو في مشهور اللغة غير متعد، فالمصدر على هذا مضاف إلى الفاعل، لأنه بمعنى: وجعلنا لأن هلكوا موعداً، وقالت فرقة إن هلك يتعدى، تقول أهلكت الرجل وهلكته بمعنى واحد، وأنشد أبو علي في ذلك: [الرجز]
ومَهْمَهٍ هالك من تعرجا   
فعلى هذا يكون المصدر في كل وجه مضافاً إلى المفعول، وقوله { وإذ قال موسى } الآية ابتداء قصة ليست من الكلام الأول، المعنى: اذكر واتل، و { موسى } هو موسى بن عمران بمقتضى الأحاديث والتواريخ وبظاهر القرآن، إذ ليس في القرآن موسى غير واحد، وهو ابن عمران ولو كان في هذه الآية غيره لبينه، وقالت فرقة منها نوف البكالي أنه ليس موسى بن عمران، وهو موسى بن مشنى، ويقال ابن منسى، وأما " فتاه " فعلى قول من قال موسى بن عمران، فهو يوشع بن نون بن إفراييل بن يوسف بن يعقوب، وأما من قال هو موسى بن مشنى فليس الفتى يوشع بن نون، ولكنه قول غير صحيح، رده ابن عباس وغيره و " الفتي " في كلام العرب الشاب، ولما كان الخدمة أكثر ما يكونون فتياناً، قيل للخادم فتى، على جهة حسن الأدب، وندبت الشريعة إلى ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2