الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَداً } * { وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً } * { قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً } * { لَّٰكِنَّاْ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً } * { وَلَوْلاۤ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً }

أفرد الجنة من حيث الوجود كذلك، إذ لا يدخلهما معاً في وقت واحد، و " ظلمه لنفسه ": كفره وعقائده الفاسدة في الشك في البعث، فقد نص على ذلك قتادة وابن زيد، وفي شكه في حديث العالم إن كانت إشارته بـ { هذه } إلى الهيئة من السماوات والأرض وأنواع المخلوقات، وإن كانت إشارته إلى جنته فقط، فإنما في الكلام تساخف واغترار مفرط وقلة تحصيل، وكأنه من شدة العجب بل والسرور أفرط في وصفها بهذا القول ثم قاس أيضاً الآخرة على الدنيا، وظن أنه لم يمل له في دنياه إلا لكرامة يستوجبها في نفسه، قال: فإن كان ثم رجوع كما يزعم فستكون حالي كذا وكذا، وليست مقالة العاصي ابن وائل لخباب على حد هذه، بل قصد العاصي الاستخفاف على جهة التصميم على التكذيب وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وابن الزبير، وثبت في مصاحف المدينة " منهما " يريد الجنتين المذكورتين أولاً، وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي والعامة، وكذلك هو مصحف أهل البصرة " منها " يريد الجنة المدخولة، وقوله { قال له صاحبه } حكاية أن المؤمن من الرجلين لما سمع كلام الكافر وقفه على جهة التوبيخ على كفر بالله تعالى، وقرأ أبي بن كعب: " وهو يخاصمه " ، وقرأ ثابت البناني، " ويلك أكفرت " ، ثم جعل يعظم الله تعالى عنده بأوصاف تضمنت النعم والدلائل على جواز البعث من القبور، وقوله { من تراب } إشارة إلى آدم عليه السلام، وقوله { سواك رجلاً } كما تقول سواك شخصاً أو حياً، أو نحو هذا من التأكيدات، وقد يحتمل أن قصد تخصيص الرجولة، على وجه تعديد النعمة، في أن لم يكن أنثى ولا خنثى، وذكر الطبري نحو هذا، واختلفت القراءة في قوله { لكنا } فقرأ ابن عامر ونافع في رواية المسيبي " لكنا " في الوصل والوقف، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي " لكن " في الوصل و " لكنا " في الوقف، ورجحها الطبري، وهي رواية ورش وقالون عن نافع، وقرأ ابن مسعود وأبي بن كعب والحسن " لكن أنا هو الله ربي " ، وقرأ عيسى الثقفي والأعمش بخلاف " لكن هو الله ربي " فأما هذه الأخيرة فبين على الأمر والشأن، وأما الذي قبلها فعلى معنى لكن أنا أقول ومن هذه الفرقة، من قرأ " لكننا " ، على حذف الهمزة وتخفيف النونين، وفي هذا نظر، وأما من قرأ " لكننا " ، فأصله عنده لكن أنا: حذفت الهمزة على غير قياس، وأدغمت النون في النون، وقد قال بعض النحويين: نقلت حركة الهمزة إلى النون فجاء لكننا، ثم أدغمت بعد ذلك فجاء " لكنا " ، فرأى بعض القراء أن بالإدغام استغني عن الألف الأخيرة، فمنهم من حذفها في الوصل، ومنهم من أثبتها في الوصل والوقف، ليدل على أصل الكلمة، ويتوجه في " لكنا " أن تكون لكن لحقتها نون الجماعة التي في " خرجنا وضربنا " ، ووقع الإدغام لاجتماع المثلين، ثم وجد في { ربي } على المعنى، ولو اتبع اللفظ لقال ربنا ذكره أبو علي، ويترجح بهذا التعليل قول من أثبت الألف في حال الوصل، والوقف، ويتوجه في { لكنا } أن تكون المشهورة من أخوات إن، المعنى: لكن قولي: هو { الله ربي } ، أما أني لا أعرف من يقرأ بها وصلاً ووقفاً، وذلك يلزم من يوجه هذا الوجه، وروى هارون عن أبي عمرو " ولكنه هو الله ربي " بضمير لحق " لكن " وباقي الآية بين، وقوله { ولولا إذ دخلت جنتك } الآية: وصية من المؤمن للكافر، { ولولا } تحضيض، بمعنى هلا و { ما } يحتمل أن تكون بمعنى الذي، بتقدير الذي إن شاء الله كائن، وفي { شاء } ضمير عائد، ويحتمل أن تكون شرطية، بتقدير ما شاء الله كان، ويحتمل أن تكون خبر ابتداء محذوف تقديره هو ما شاء الله، أو الأمر ما شاء الله، وقوله { لا قوة إلا بالله } تسليم وضد لقول الكافر { ما أظن أن تبيد هذه أبداً } وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي هريرة

السابقالتالي
2