الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً } * { وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً }

بين هاتين الآيتين اقتضاب يبينه ما تقدم من الآيات، تقديره فآووا وضرب الله على آذانهم ومكثوا كذلك، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو " تزّاور " بتشديد الزاي وإدغام التاء، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي " تزَاور " بتخفيفها بتقدير تتزاور فحذفت إحدى التاءين، وقرأ ابن عامر وابن أبي إسحاق وقتادة " تزور " في وزن تحمر، وقرأ الجحدري وأبو رجاء " تزوار " بألف بعد الواو، ومعنى اللفظة على كل هذا التصريف تعدل وتروغ وتميل، وهذه عبارات المفسرين، أما أن الأخفش قال " تزور " معناه تنتقض والزور الميل، والأزور في العين المائل النظر إلى ناحية، ويستعمل في غير العين كقول ابن أبي ربيعة:

وجنبي خيفة القوم أزور   
ومن اللفظة قول عنترة: [الكامل]

فازور من وقع القنا بلبانه   
ومنه قول بشر بن أبي حازم: [الوافر]

تؤم بها الحداة مياه نخل   وفيها عن أبانين ازورار
وفي حديث غزوة مؤتة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في سرير عبد الله بن رواحة ازوراراً عن سرير جعفر وزيد بن حارثة، وقرأ الجمهور " تقرضهم " بالتاء، وفرقة " يقرضهم " بالياء، أي الكهف كأنه من القرض وهو القطع، أي يقتطعهم الكهف بظله من ضوء الشمس، وجمهور من قرأ بالتاء، فالمعنى أنهم كانوا لا تصيبهم شمس البتة وهو قول ابن عباس، فيتأولون " تقرضهم " بمعنى تتركهم، أي كأنها عنده تقطع كلّ ما لا تناله عن نفسها، وفرقة ممن قرأ بالتاء تأول أنها كانت بالعشي تنالهم، فكأنها " تقرضهم " أي تقتطعهم مما لا تناله، وقالوا كان في مسها لهم بالعشي صلاح لأجسامهم، وحكى الطبري أن العرب تقول: قرضت موضع كذا أي قطعته، ومنه قول ذي الرمة: [الطويل]

إلى ظعن يقرضن أجواز مشرف   شمالاً وعن أيمانهن الفوارس
ومنه أقرضني درهماً أي اقطعه لي من مالك، وهذه الصفة مع { الشمس } تقتضي أنه كان لهم حاجب من جهة الجنوب وحاجب من جهة الدبور وهم في زاويته، وحكى الزجاج وغيره قال: كان باب الكهف ينظر إلى بنات نعش، وقاله عبد الله بن مسلم وهذا نحو ما قلناه، غير أن الكهف كان مستور الأعلى من المطر، وذهب الزجاج إلى أن فعل الشمس كان آية من الله تعالى دون أن يكون باب الكهف إلى جهة توجب ذلك، وقوله { ذات اليمين وذات الشمال } يحتمل أن يريد ذات يمين الكهف بأن نقدر باب الكهف بمثابة وجه إنسان فإن الشمس تجيء منه أول النهار عن يمين، وآخره عن شمال، ويحتمل أن يريد ذات يمين الشمس وذات شمالها، بأن نقدر الشعاع الممتد منها إلى الكهف بمثابة وجه إنسان، والوجه الأول أصح و " الفجوة " المتسع وجمعها فجى، قال قتادة: في فضاء منه، ومنه الحديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير العنف فإذا وجد فجوة نص، وقال ابن جبير: { في فجوة } في مكان داخل، وقوله { ذلك من آيات الله } الإشارة إلى الأمر بجملته، وعلى قول الزجاج إن الشمس كانت تزاور وتقرض دون جحاب تكون الإشارة إلى هذا المعنى خاصة ثم تابع بتعظيم الله عز وجل والتسليم له وما يقتضي صرف الآمال إليه، وقوله { وتحسبهم } الآية، صفة حال قد نقضت وجاءت أفعالها مستقبلة تجوزاً واتساعاً و { أيقاظاً } جمع يقظ كعضد وأعضاد، وهو المنتبه قال أهل التفسير: كانت أعينهم مفتوحة وهم نائمون، فلذلك كان الرائي يحسبهم { أيقاظاً }.

السابقالتالي
2 3