الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً } * { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } * { قُل لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً }

قال المفسرون: " الزخرف " الذهب في هذا الموضع، والزخرف ما تزين به، كان بذهب أو غيره، ومنهحتى إذا أخذت الأرض زخرفها } [يونس: 24] وفي قراءة عبد الله بن مسعود " أو يكون لك بيت من ذهب " ، قال مجاهد ما كنا نعرف الزخرف حتى قرأنا في حرف عبد الله " من ذهب " ، وقوله { من السماء } يريد في الهواء علواً، والعرب تسمي الهواء علواً سماء لأنه في حيز السمو. ويحتمل أن يريدوا السماء المعروفة، وهو أظهر لأنه أعلمهم أن إله الخلق فيها وأنه تأتيه خبرها، و { ترقى } معناه تصعد، والرقي الصعود، ويروى أن قائل هذه المقالة هو عبد الله بن أبي أمية، فإنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا لا أؤمن لك حتى تأتي بكتاب أراك هابطاً به فيه من الله عز وجل إلى عبد الله بن أبي أمية، وروي أن جماعتهم طلبت هذا النحو منه، فأمره الله عز وجل أن يقول { سبحان ربي } أي تنزيهاً له من الإتيان مع الملائكة قبيلاً، ومن أن يخاطبكم بكتاب كما أردتم، ومن أن اقترح أن عليه هذه الأشياء، وهل أنا إلا بشر منكم، أرسلت إليكم بالشريعة، فإنما علي التبليغ فقط، وقرأ ابن كثير وابن عامر " قال سبحان ربي " على معنى الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سبح عند قولهم، وقوله تعالى: { وما منع الناس أن يؤمنوا } هذه الآية على معنى التوبيخ والتلهف من النبي عليه السلام والبشر، كأنه يقول متعجباً منهم ما شاء الله كان، ما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا هذه العلة النزرة والاستبعاد الذي لا يستند إلى حجة، وبعثة البشر رسلاً غير بدع ولا غريب، فيها يقع الإفهام والتمكن من النظر كما { لو كان في الأرض ملائكة } يسكنونها { مطمئنين } ، أي وادعين فيها مقيمين لكان الرسول إليهم من الملائكة ليقع الإفهام، وأما البشر فلو بعث إليهم ملك لنفرت طباعهم من رؤيته، ولم تحتمله أبصارهم ولا تجلدت له قلوبهم، وإنما أراد الله جري أحوالهم على معتادها.