الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً } * { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } * { أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً } * { أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً }

هذه الآية تنبه على فضل الله في القرآن على العالم، وتوبيخ للكفار منهم على قبيح فعلهم، وتصريف القول هو ترديد البيان عن المعنى، وقرأ الجمهور " صرّفنا " بتشديد الراء، وقرأ الحسن " صرَفنا " بفتح الراء خفيفة، وقوله { من كل مثل } يجوز أن تكون { من } لابتداء الغاية، ويكون المفعول بـ { صرفنا } مقدراً تقديره " ولقد صرفنا في هذا القرآن التنبيه والعبر من كل مثل ضربناه " ، ويجوز أن تكون مؤكدة زائدة، التقدير " ولقد صرفنا كل مثل " ، وهذا كقوله تعالى:واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } [البقرة: 125]. وقوله { فأبى } عبارة عن تكسب الكفار الكفر وإعراضهم عن الإيمان، وفي العبارة يأبى تغليظ، والكفر بالخلق والاختراع هو من فعل الله تعالى، وبالتكسب والدؤوب هو من الإنسان، و { كفوراً } مصدر كالخروج، وقوله تعالى: { وقالوا لن نؤمن لك } الآية، قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر " حتى تُفجّر " ، وقرأ عاصم وحمزة الكسائي حتى " تَفجُر " بفتح التاء وضم الجيم، وفي القرآنفانفجرت } [البقرة: 60]، وانفجر مطاوع فجر فهذا مما يقوي القراءة الثانية، وأما الأولى فتقتضي المبالغة في التفجير. و " الينبوع " الماء النابع، وهي صفة مبالغة إنما تقع للماء الكثير، وطلبت قريش هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، وإياها عنوا بـ { الأرض } ، وإنما يراد بإطلاق لفظة { الأرض } هنا الأرض التي يكون فيها المعنى المتكلم فيه، كقولهأو ينفوا من الأرض } [المائدة: 33] فإنما يريد من أرض تصرفهم وقطعهم السبل ومعاشهم، وكذلك أيضاً اقتراحهم الجنة إنما هو بمكة لامتناع ذلك فيها، وإلا ففي سائر البلاد كان ذلك يمكنه وإنما طلبوه بأمر إلهي في ذلك الموضع الجدب، وقرأ الجمهور " جنة " ، وقرأ " حبة " المهدوي، وقوله { فتفجّر }. تضعيف مبالغة لا تضعيف تعدية، كغلقت الأبواب، و { خلالها } ظرف، ومعناه أثناءها وفي داخلها، وروي في قول هذه المقالة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حديث طويل، مقتضاه " أن عتبة وشيبة ابني ربيعة، وعبد الله بن أبي أمية، والنضر بن الحارث وغيرهم من مشيخة قريش وسادتها، اجتمعوا عليه فعرضوا عليه أن يملكوه إن أراد الملك، أو يجمعوا له كثيراً من المال إن أراد الغنى، أو يطبوه إن كان به داء ونحو هذا من الأقاويل، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك إلى الله، وقال " إنما جئتكم عند الله بأمر فيه صلاح دينكم ودنياكم، فإن سمعتم وأطعتم فحسن، وإلا صبرت لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم بما شاء " ، فقالوا له حينئذ فإن كان ما تزعمه حقاً ففجر ينبوعاً ونؤمن لك، ولتكن لك جنة إلى غير ذلك مما كلفوه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا كله إلى الله، ولا يلزمني هذا ولا غيره، وإنما أنا مستسلم لأمر الله "

السابقالتالي
2