الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } * { وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً } * { إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً } * { قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنْسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً }

الضمير في { يسألونك } قيل هو لليهود وإن الآية مدنية، وروى عبد الله بن مسعود، أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمر على حرث بالمدينة، ويروى على خرب، وإذا فيه جماعة من اليهود، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، فإن أجاب فيه عرفتم أنه ليس بنبي، وذلك أنه كان عندهم في التوراة أن الروح مما انفرد الله بعلمه، ولا يطلع عليه أحداً من عباده، قال ابن مسعود: وقال بعضهم: لا تسألوه لئلا يأتي فيه بشيء تكرهونه يعني والله أعلم من أنه لا يفسره فتقوى الحجة عليهم في نبوته، قال فسألوه فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئاً على عسيب، فظننت أنه يوحى إليه، ثم تلا عليهم الآية، وقيل الآية مكية والضمير لقريش، وذلك أنهم قالوا: نسأل عن محمد أهل الكتاب من اليهود، فأرسلوا إليهم إلى المدينة النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط، فقال اليهود لهما: جرباه بثلاث مسائل، سلوه عن أهل الكهف، وعن ذي القرنين، وعن الروح، فإن فسر الثلاثة فهو كذاب، وإن سكت عن الروح فهو نبي، فسألته قريش عن الروح، فيروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم " غداً أخبركم به " ، ولم يقل إن شاء الله، فاستمسك الوحي عليه خمسة عشر يوماً، معاتبة على وعده لهم دون استثناء، ثم نزلت هذه الآية، واختلف الناس في { الروح } المسؤول عنه أي روح هو؟ فقالت فرقة هي الجمهور: وقع السؤال عن الروح التي في الأشخاص الحيوانية ما هي؟ فـ { الروح } اسم جنس على هذا، وهذا هو الصواب، وهو المشكل الذي لا تفسير له، وقال قتادة { الروح } المسؤول عنه جبريل، قال وكان ابن عباس يكتمه، وقالت فرقة عيسى ابن مريم، وقال علي بن أبي طالب: " ملك له سبعون ألف وجه في كل وجه سبعون ألف لسان لكل لسان سبعون ألف لغة يسبح الله سبحانه بكل تلك اللغات يخلق من كل تسبيحة ملك يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة " ، ذكره الطبري، وما أظن هذا القول يصح عن علي، وقالت فرقة { الروح } القرآن، وهذه كلها أقوال مفسرة، والأول أظهرها وأصوبها، وقوله { من أمر ربي } يحتمل تأويلين: أحدهما: أن يكون " الأمر " اسم جنس للأمور أي للروح من جملة أمور الله التي استأثر بعلمها، فهي إضافة خلق إلى خالق، والثاني أن يكون مصدراً من أمر يأمر أي الروح مما أمره أمراً بالكون فكان. وقرأ ابن مسعود والأعمش " وما أوتوا " ، ورواها ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم وقرأ الجمهور " وما أوتيتم " ، واختلف فيمن خوطب بذلك، فقالت فرقة: السائلون فقط، ترجم الطبري بذلك ثم أدخل تحت الترجمة عن قتادة أنهم اليهود، وقال قوم: المراد اليهود بجملتهم، وعلى هذا هي قراءة ابن مسعود، وقالت فرقة: العالم كله، وهذا هو الصحيح لأن قول الله له { قل الروح } إنما هو أمر بالقول لجميع العالم إذ كذلك هي أقواله كلها وعلى ذلك تمت الآية من مخاطبة الكل، ويحتمل أيضاً أن تكون مخاطبة من الله للنبي ولجميع الناس ويتصف ما عند جميع الناس من العلم بالقلة بإضافته إلى علم الله عز وجل الذي هو بهذه الأمور التي عندنا من علمها طرف يسير جداً، كما قال الخضر عليه السلام لموسى عليه السلام، " ما نقص علمي وعلمك وعلم الخلائق من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من البحر " ، وأراد الخضر علم الله تعالى بهذه الموجودات التي عند البشر من علمها طرف يسير نسبة إلى ما يخفى عليهم نسبة النقطة إلى البحر، وأما علم الله على الإطلاق فغير متناه، ويحتمل أن يكون التجوز في قول الخضر كما نقص هذا العصفور، أي إما لا ينقص علمنا شيئاً من علم الله تعالى على الإطلاق ثم مثل بنقرة العصفور في عدم النقص، إذ نقصه غير محسوس، فكأنه معدوم، فهذا احتمال، ولكن فيه نظر، وقد قالت اليهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف لم نؤت من العلم إلا قليلاً؟ وقد أوتينا التوراة، وهي الحكمة ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً، فعارضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلم الله، فغلبوا، وقد نص رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله في بعض الأحاديث " كلاًّ " يعني أن المراد بـ { أوتيتم } جميع العالم، وذلك أن يهود قالت له: نحن عنيت أو قومك؟ فقال " كلاًّ " ، وفي هذا المعنى نزلت

السابقالتالي
2 3 4