الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ رَّبُّكُمُ ٱلَّذِي يُزْجِي لَكُمُ ٱلْفُلْكَ فِي ٱلْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } * { وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ كَفُوراً } * { أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ ٱلْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً } * { أَمْ أَمِنْتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَىٰ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِّنَ ٱلرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً }

" الإزجاء ": سوق الثقيل السير، إما لضعف أو ثقل حمل أو غيره، فالإبل الضعاف تزجى، ومنه قول الفرزدق: [البسيط]

على زواحف تزجيها محاسير   
والسحاب تزجى ومنه قوله تعالىألم تر أن الله يزجي سحاباً } [النور: 43] والبضاعة المزجاة هي التي تحتاج لاختلالها أن تساق بشفاعة وتدفع بمعاون إلى الذي يقبضها، وإزجاء { الفلك } سوقه بالريح اللينة والمجاديف، و { الفلك } و { البحر } الماء الكثير عذباً كان أو ملحاً، وقد غلب الاسم على هذا المشهور، و { الفلك } تجري فيها. وقوله { لتبتغوا من فضله } لفظ يعم البصر، وطلب الأجر، في حج أو غزو ونحوه، ولا خلاف في جواز ركوبه للحج والجهاد والمعاش، واختلف في وجوبه للحج، أعني الكثير منه، واختلف في كراهيته للثروة وتزيد المال، وقد روي عنه أنه قال " البحر لا أركبه أبداً " ، وهذا حديث يحتمل أنه رأي رآه لنفسه، ويحتمل أنه أوحي إليه ذلك، وهذه الآية توقيف على آلاء الله وفضله عند عباده. و { الضر } لفظ يعم خوف الغرق، والامتساك في المشي، وأهول حالاته: اضطرابه وتموجه. وقوله { ضل } معناه تلف وفقد، وهي عبارة تحقير لمن يدعي إلهاً من دون الله، والمعنى في هذه الآية أن الكفار إنما يعتقدون في أصنامهم أنها شافعة، وأن لها فضلاً، وكل واحد منهم بالفطرة يعلم علماً لا يقدر على مدافعته أن الأصنام لا فعل لها في الشدائد العظام، فوفقهم الله من ذلك على حالة البحر. وقوله { أعرضتم } أي لم تفكروا في صنع الله وقت حاجتكم إليه، وقوله { كفوراً } أي بالنعم. و { الإنسان } هنا للجنس، وكل أحد لا يكاد يؤدي شكر الله تعالى كما يجب، وقال الزجاج { الإنسان } يراد به الكفار، وهذا غير بارع. وقوله { أفأمنتم } الآية، المعنى { أفأمنتم } أيها المعرضون الناسون الشدة، حين صرتم إلى الرخاء " أن يخسف الله بكم مكانكم من البر " إذا أنتم في قبضة القدرة في البحر والبر، و " الحاصب " العارض الرامي بالبرد والحجارة ونحو ذلك، ومنه قول الشاعر: [البسيط]

مستقبلين شمال الشام تضربنا   بحاصب كنديف القطن منثور
ومنه قول الأخطل: [الكامل]

ترمي العصاة بحاصب من ثلجها   حتى يبيت على العضاه جمالا
ومنه الحاصب الذي أصاب قوم لوط، والحصب: الرمي بالحصباء، وهي الحجارة الصغار، وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي " يخسف " بالياء على معنى يخسف الله، وكذلك " يرسل " و " يعيد " و " يرسل " و " يغرق " ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ذلك كله بالنون، وقرأ أبو جعفر ومجاهد " تغرقكم " بالتاء أي الريح، وقرأ حميد " نغرقكم " بالنون حقيقة وأدغم القاف في الكاف، ورويت عن أبي عمرو وابن محيصن وقرأ الحسن وأبو رجاء " يغرّقكم " بشد الراء.

السابقالتالي
2