الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } * { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } * { وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ }

{ الأنعام } الإبل والبقر والغنم وأكثر ما يقال نعم وأنعام للإبل، ويقال للمجموع، ولا يقال للغنم مفردة، ونصبها إما عطف علىالإنسان } [النحل: 4] وإما بفعل مقدر وهو أوجه، و " الدفء " السخانة وذهاب البرد بالأكسية ونحوها، وذكر النحاس عن الأموي أنه قال: الدفء في لغة بعضهم تناسل الإبل.

قال القاضي أبو محمد: وقد قال ابن عباس: نسل كل شيء، وقد قال ابن سيده: " الدفء " نتاج الإبل وأوبارها والانتفاع بها، والمعنى الأول هو الصحيح، وقرأ الزهري وأبو جعفر " دفء " بضم الفاء وشدها وتنوينها، و " المنافع " ألبانها وما تصرف منها ودهونها وحرثها والنضح عليها وغير ذلك، ثم ذكر " الأكل " الذي هو من جميعها، وقوله { جمال } أي في المنظر. و { تريحون } معناه حين تردونها وقت الرواح إلى المنازل فتأتي بطاناً ممتلئة الضروع، و { تسرحون } معناه تخرجونها غدوة إلى السرح، تقول سرحت السائمة إذا أرسلتها تسرح فسرحت هي، كرجع رجعته، وهذا " الجمال " هو لمالكها ولمحبيه وعلى حسدته وهذا المعنى كقوله تعالىالمال والبنون زينة الحياة الدنيا } [الكهف: 46] وقرأ عكرمة والضحاك " حينما تريحون حيناً تسرحون " ، وقرأت فرقة " وحيناً ترتحون ".

قال القاضي أبو محمد: وأظنها تصحيفاً.

و " الأثقال " الأمتعة، وقيل المراد هنا الأجسام كقولهوأخرجت الأرض أثقالها } [الزلزلة: 2] أي أجسام بني آدم.

قال القاضي أبو محمد: واللفظ يحتمل المعنيين، قال النقاش: ومنه سمي الإنس والجن الثقلين، وقوله { إلى بلد } أي بلد توجهتم بحسب اختلاف أغراض الناس، وقال عكرمة وابن عباس والربيع بن أنس: المراد مكة، وفي الآية على هذا حض على الحج. و " الشق " المشقة، ومنه قول الشاعر [النمر بن تولب]: [الطويل]

وذي إبل يسعى ويحسبها له   أخي نصب من شقها ودؤوب
أي من مشقتها، ويقال فيها شق وشق أي مشقة، وقرأ أبو جعفر القاري وعمرو بن ميمون وابن أرقم ومجاهد والأعرج " بشَق الأنفس " بفتح الشين، ورويت عن نافع وأبي عمرو، وذهب الفراء إلى أن معنى { بشق الأنفس } أي بذهاب نصفها، كأنه قد دأبت نصباً وتعباً.

قال القاضي أبو محمد: كما تقول لرجل لا تقدر على كذا إلا بذهاب جل نفسك وبقطعة من كبدك ونحو هذا من المجاز، وذهبوا في فتح الشين إلى أنه مصدر شَق يشق، ثم أوجب رأفة الله ورحمته في هذه النعم التي أذهبت المشقات ورفعت الكلف، وقوله { والخيل } عطف أي وخلق الخيل، وقرأ ابن أبي عبلة، " والخيلُ والبغالُ والحميرُ " بالرفع في كلها، وسميت الخيل خيلاً لاختيالها في المشية، أفهمه أعرابي لأبي عمرو بن العلاء، وقوله { وزينة } نصب بإضمار فعل، قيل تقديره وجعلنا زينة، وقرأ ابن عياض " لتركبوها زينة " دون واو، والنصب حينئذ على الحال من الهاء في { تركبوها } وقوله { ويخلق ما لا تعلمون } عبرة منصوبة على العموم، أي أن مخلوقات الله من الحيوان وغيره لا يحيط بعلمها بشر، بل ما يخفى عنه أثر مما يعلمه، وقد روي أن الله تعالى خلق ألف نوع من الحيوان منها في البر أربعمائة، وبثها بأعيانها في البحر، وزاد في مائتين ليست في البر.

السابقالتالي
2 3