الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ شَيْئاً وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } * { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمْثَالَ إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

هذه آية تقريع للكفار وتوبيخ وإظهار لفساد نظرهم ووضع لهم من الأصنام في الجهة التي فيها سعي الناس وإليها هممهم، وهي طلب الرزق، وهذه الأصنام لا تملك إنزال المطر ولا إثبات نعمة، ومع أنها لا تملك لا تستطيع أن تحاول ذلك من ملك الله تعالى، وقوله { رزقاً } مصدر ونصبه على المفعول بـ { يملك } ، وقوله { شيئاً } ذهب كثير من النحويين إلى أنه منصوب على البدل، من قوله { رزقاً } و { رزقاً } اسم، وذهب الكوفيون وأبو علي معهم إلى أنه منصوب بالمصدر في قوله { رزقاً } ولا نقدره اسماً، وهو كقوله تعالىألم نجعل الأرض كفاتاً أحياء وأمواتاً } [المرسلات: 25-26] فـ { كفاتاً } [المرسلات: 25] مصدر منصوب به { أحياء } [المرسلات: 26] ومنه أيضاً في قوله عز وجلأو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة } [البلد: 14-15] فنصب { يتيماً } [البلد: 15] بـ { إطعام } [البلد: 14]، ومنه قول الشاعر: [الطويل]

فلولا رجاء النصر منك ورهبة   عقابك قد صاروا لنا كالموارد
والمصدر يعمل مضافاً باتفاق لأنه في تقدير الانفصال، ولا يعمل إذا دخله الألف اللام لأنه قد توغل في حال الأسماء وبعُد عن حال الفعلية، وتقدير الانفصال في الإضافة حسن عمله، وقد جاء عاملاً مع الألف واللام في قول الشاعر:
ضعيف النكاية أعداءه   
البيت:

وقوله: عن الضرب مسمعاً، وقوله { يملك } على لفظ { ما } ، وقوله { يستطيعون } على معناها بحسب اعتقاد الكفار في الأصنام أنها تعقل، ويحتمل أن يكون الضمير في { يستطيعون } للذين يعبدون، المعنى لا يستطيعون ذلك ببرهان يظهرونه وحجة يثبتونها، وقوله { فلا تضربوا } أي لا تمثلوا لله الأمثال، وهو مأخوذ من قولك: ضريب هذا أي مثله، والضرب النوع، تقول: الحيوان على ضروب، وهذان من ضرب واحد، وباقي الآية بين وقوله { ضرب الله مثلاً } الآية، هو مثال في هذه الآية هو عبد بهذه الصفة مملوك لا يقدر على شيء من المال ولا من أمر نفسه، وإنما هو مسخر بإرادة سيده مدبر، ولا يلزم من هذا أن العبيد كلهم بهذه الصفة كما انتزع بعض من ينتحل الفقه، وقد قال في المثال: لا يقدر على شيء فيلزم على هذا الانتزاع أن يكون مؤمناً ينفق بحسب الطاعة، وذلك أنه أشرف أن يكون مثالاً، والرزق ما صح الانتفاع به، وقال أبو منصور في عقيدته: الرزق ما وقع الاغتذاء به، وهذه الآية ترد على هذا التخصيص، وكذلك قوله تعالى:ومما رزقناهم ينفقون } [البقرة: 30] وأنفقوا مما رزقناكم } [البقرة: 254] وغير ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم: " جعل رزقي في ظل رمحي " ، وقوله: " أرزاق أمتي في سنابك خيلها، وأسنة رماحها، فالغنيمة كلها رزق " ، والصحيح أن ما صح الانتفاع به هو الرزق، وهو مراتب أعلاها ما تغذي به، وقد حصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوه الانتفاع في قوله:

السابقالتالي
2