الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ ٱلضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } * { إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ بَلَىٰ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلْنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

لما أشار قوله تعالى:فهل على الرسل إلا البلاغ المبين } [النحل: 35] إلى إقامة الحجة حسبما ذكرناه، بين ذلك في هذه الآية، أي إنه بعث الرسل آمراً بعبادته وتجنب عبادة غيره، و { الطاغوت } في اللغة كل ما عُبد من دون الله من آدمي راض بذلك، أو حجر أو خشب، ثم أخبر أن منهم من اعتبر وهداه الله ونظر ببصيرته، ومنهم أيضاً من أعرض وكفر { فحقت عليه الضلالة } ، وهي مؤدية إلى النار حتماً، ومنه من أدته إلى عذاب الله في الدنيا، ثم أحالهم في علم ذلك على الطلب في الأرض واستقراء الأمم والوقوف على عواقب الكافرين المكذبين، وقوله { إن تحرص } الآية، الحرص أبلغ الإرادة في الشيء، وهذه تسلية للنبي عليه السلام أي إن حرصك لا ينفع، فإنها أمور محتومة، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والحسن والأعرج وأبو جعفر وشيبة ومجاهد وشبل ومزاحم الخراساني وأبو رجاء العطاردي وابن سيرين " لا يُهدَى " بضم الياء وفتح الدال، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي " لا يهدي " بفتح الياء وكسر الدال، وهي قراءة ابن المسيب وابن مسعود وجماعة، وذلك على معنيين أي إن الله لا يهدي من قضى بإضلاله، والآخر أن العرب تقول هدي الرجل بمعنى اهتدى حكاه الفراء وفي القرآنلا يهدي إلا أن يهدى } [يونس: 35] وجعله أبو علي وغيره بمعنى يهتدي، وقرأت فرقة " إن الله لا يَهدِي " بفتح الياء وكسر الهاء والدال، وقرأت فرقة " إن الله لا يُهدي " بضم الياء وكسر الدال، وهي ضعيفة، وفي مصحف أبي ابن كعب، " إن الله لا هادي لمن أضل " ، قال أبو علي: الراجع إلى اسم { إن } مقدر في { يضل } على كل قراءة إلا على قراءة من قرأ " يَهْدِي " بفتح الياء وكسر الدال بمعنى يهدي الله، فإن الراجع مقدر في " يهدي " ، وقوله { وما لهم } ضمير على معنى " من " ، وتقول العرب حَرَص يحرص وَحَرص يحرُص والكسر في المستقبل هي لغة أهل الحجاز، وقرأ الحسن وإبراهيم وأبو حيوة بفتح الراء، وقرأ إبراهيم منهم، " وإن " بزيادة الواو، والضمير في قوله { وأقسموا } لكفار قريش، وذكر أن رجلاً من المسلمين حاور رجلاً من المشركين، فقال في حديثه: لا والذي أرجوه بعد الموت، فقال له الكافر أونبعث بعد الموت؟ قال: نعم، فأقسم الكافر مجتهداً في يمينه أن الله لا يبعث أحداً بعد الموت، فنزلت الآية بسبب ذلك، و { جَهْدُ } مصدر ومعناه فغاية جهدهم، ثم رد الله تعالى عليهم بقوله تعالى { بلى } فأوجب بذلك البعث، وقوله { وعداً عليه حقاً } مصدران مؤكدان، وقرأ الضحاك " بلى وعدٌ عليه حقٌ " بالرفع في المصدرين، و { أكثر الناس } في هذه الآية الكفار المكذبون بالبعث.

قال القاضي أبو محمد: والبعث من القبور مما يجوزه العقل، وأثبته خبر الشريعة على لسان جميع النبيين، وقال بعض الشيعة إن الإشارة بهذه الآية إنما هي لعلي بن أبي طالب، وإن الله سيبعثه في الدنيا، وهذا هو القول بالرجعة، وقولهم هذا باطل وافتراء على الله وبهتان من القول رده ابن عباس وغيره.