الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ ٱلْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ ٱلسَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } * { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ إِنَّ ٱلْخِزْيَ ٱلْيَوْمَ وَٱلْسُّوۤءَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ }

قال ابن عباس وغيره من المفسرين: الإشارة بـ { الذين من قبلهم } إلى نمرود الذي بنى صرحاً ليصعد فيه إلى السماء على زعمه، فلما أفرط في علوه وطوله في السماء فرسخين على ما حكى النقاش، بعث الله عليه رمحاً فهدمته، " وخر سقفه " عليه وعلى أتباعه، وقيل: جبريل هدمه بجناحه وألقى أعلاه في البحر وانحقف من أسفله، وقالت فرقة أخرى: المراد بـ { الذين من قبلهم } جميع من كفر من الأمم المتقدمة ومكر ونزلت فيه عقوبة من الله تعالى، وقوله على هذا { فأتى الله بنيانهم من القواعد } إلى آخر الآية، تمثيل وتشبيه، أي حالهم بحال من فعل به هذا، وقالت فرقة: المراد بقوله { فخر عليهم السقف من فوقهم } أي جاءهم العذاب من قبل السماء.

قال القاضي أبو محمد: وهذا ينحو إلى اللعن، ومعنى قوله { من فوقهم } رفع الاحتمال في قوله { فخر عليهم السقف } فإنك تقول انهدم على فلان بناؤه وهو ليس تحته، كما تقول: انفسد عليه متاعه، وقوله { من فوقهم } ألزم أنهم كانوا تحته. وقوله { فأتى } أي أتى أمر الله وسلطانه، وقرأ الجمهور " بنيانهم " ، وقرأت فرقة " بنيتهم " ، وقرأ جعفر بن محمد " بيتهم " ، وقرأ الضحاك " بيوتهم " ، وقرأ الجمهور " السقْف " بسكون القاف، وقرأت فرقة بضم القاف وهي لغة فيه، وقرأ الأعرج " السُّقُف " بضم السين والقاف، وقرأ مجاهد " السُّقْف " بضم السين وسكون القاف، وقوله { ثم يوم القيامة } الآية، ذكر الله تعالى في هذه الآية المتقدمة حال هؤلاء الماكرين في الدنيا، ثم ذكر في هذه حالهم في الآخرة وقوله { يخزيهم } لفظ يعم جميع المكاره التي تنزل بهم، وذلك كله راجع إلى إدخالهم النار، وهذا نظير قولهربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته } [آل عمران: 192 }. وقوله { أين شركائي } توبيخ لهم وأضافهم إلى نفسه في مخاطبة الكفار أي على زعمكم ودعواكم، قال أبو علي: وهذا كما قال الله تعالى حكايةذق إنك أنت العزيز الكريم } [الدخان: 49] وكما قال { يا أيها الساحر ادع لنا ربك } [الزخرف: 49].

قال القاضي أبو محمد: والإضافات تترتب معقولة وملفوظاً بأَرَق سبب، وهذا كثير في كلامهم، ومنه قول الشاعر:

إذا قلت قدني قال تالله حلفة   لتغني عني ذا إنائك أجمعا
فأضاف الإناء إلى حابسه، وقرأ البزي عن ابن كثير " شركاي " بقصر الشركاء، وقرأت فرقة " شركاءي " بالمد وياء ساكنة، و { تشاقون } معناه تحاربون وتحارجون، أي تكون في شق والحق في شق، وقرأ الجمهور " تشاقونَ " بفتح النون، وقرأ نافع وحده بكسر النون، ورويت عن الحسن بخلاف وضعف هذه القراءة أبو حاتم، وقد تقدم القول في مثله في الحجر فيتبشرون } [الحجر:54]، وقرأت فرقة " تشاقونّي " بشد النون وياء بعدها، و { الذين أوتوا العلم } هم الملائكة فيما قال بعض المفسرين، وقال يحيى بن سلام: هم المؤمنون وهذا الخطاب منهم يوم القيامة.

قال القاضي أبو محمد: والصواب أن يعم جميع من آتاه الله علم ذلك من جميع من حضر الموقف من ملك أو إنسي، وغير ذلك، وباقي الآية بين.