الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { شَاكِراً لأَنْعُمِهِ ٱجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَآتَيْنَاهُ فِي ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبْتُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }

لما كشف الله تعالى فعل اليهود وتحكمهم في شرعهم بذكر ما حرم عليهم، أراد أن يبين بُعدهم عن شرع إبراهيم والدعوى فيه أن يصف حال إبراهيم ليبين الفرق بين حاله وحال قريش أيضاً، و { أمة } لفظة مشتركة تقع للعين والقامة والجمع الكثير من الناس، ثم يشبه الرجل العالم أو الملك أو المنفرد بطريقة وحده بالناس الكثير فيسمى { أمة } ، وعلى هذا الوجه سمي إبراهيم عليه السلام { أمة } ، قال ابن مسعود: " الأمة " معلم الخير، وكان معاذ بن جبل " أمة قانتاً " ، وقال في بعض أوقاته إن معاذاً كان { أمة قانتاً } فقال قرة الكندي أو فروة بن نوفل: ليس كذلك إنما هو إبراهيم، فقال أتدري ما الأمة، هو معلم الخير وكذلك كان معاذ يعلم الخير ويطيع الله ورسوله، وقال مجاهد: سمي إبراهيم { أمة } لانفراده بالإيمان في وقته مدة.

قال القاضي أبو محمد: وفي البخاري أنه قال لسارة ليس على الأرض اليوم مؤمن غيري وغيرك، وقال بعض النحويين، أظنه أبا الحسن الأخفش: " الأمة " فعلة من أم يؤم فهو كالهُزْأة والضحكة أي يؤتم به.

قال القاضي أبو محمد: فـ { أمة } على هذا صفة، وعلى القول الأول اسم ليس بصفة، و " القانت " المطيع الدائم على العبادة، و " الحنيف " المائل إلى الخير والإصلاح، وكانت العرب تقول، لمن يختتن ويحج البيت حنيفاً، وحذف النون من " لم يكن " لكثرة الاستعمال كحذفهم من لا أبال ولا أدر، وهو أيضاً يشبه النون في حال سكونها حروف العلة لغنتها وخفتها وأنها قد تكون علامة وغير ذلك، فكأن " لم " دخلت على " يكن " في حال الجزم. ولا تحذف النون إذا لم تكن ساكنة في نحو قولهلم يكن الذين كفروا } [البينة: 1] ولا يحذف في مثل هذا إلا في الشعر فقد جاءت محذوفة، وقوله { من المشركين } يشير إلى تبرؤ حال إبراهيم عليه السلام من حال مشركي العرب ومشركي اليهود إذ كلهم ادعاه ويلزم الإشراك اليهود من جهة تجسيمهم، و { شاكراً } ، صفة لإبراهيم تابعة ما تقدم، و " الأنعم " جمع نعمة، و { اجتباه } معناه تخيره، وباقي الآية بين. وقوله { وآتيناه في الدنيا حسنة } الآية، " الحسنة " لسان الصدق وإمامته لجميع الخلق، هذا قول جميع المفسرين وذلك أن كل أمة متشرعة فهي مقرة أن إيمانها إيمان إبراهيم وأنه قدوتها وأنه كان على الصواب. وقوله { لمن الصالحين } بمعنى المنعم عليهم أي من الصالحين في أحوالهم ومراتبهم، أو بمعنى أنه في الآخرة ممن يحكم له بحكم الصالحين في الدنيا، وهذا على أن الآية وصف حاليه في الدارين، ويحتمل أن يكون المعنى وأنه في عمل الآخرة، فعلى هذا هي وصف حالي في الدنيا الدنياوية والأخراوية.

السابقالتالي
2