الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْحَيَاةَ ٱلْدُّنْيَا عَلَىٰ ٱلآخِرَةِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ } * { لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلْخَاسِرونَ } * { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

قوله { ذلك } إشارة إلى الغضب والعذاب الذي توعد به قبل هذه الآية، والضمير في { أنهم } لـمن شرح بالكفر صدراً } [النحل: 106]، ولما فعلوا فعل من استحب ألزموا ذلك وإن كانوا مصدقين بآخرة لكن الأمر في نفسه بين، فمن حيث أعرضوا عن النظر فيه كانوا كمن استحب غيره، وهذه الآية علق فيها العقاب بتكسبهم وذلك أن استحبابهم زينة الدنيا ولذات الكفر هو التكسب، وقوله { وأن الله لا يهدي } إشارة إلى اختراع الله تعالى الكفر في قلوبهم، ولا شك أن كفر الكافر الذي يتعلق به العقاب إنما هو باختراع من الله تعالى وتكسب من الكافر، فجمعت الآية بين الأمرين، وعلى هذا مرت عقيدة أهل السنة، وقوله { لا يهدي القوم الكافرين } عموم على أنه لا يهديهم من حيث إنهم كفار في نفس كفرهم، أو عموم يراد به الخصوص فيمن يوافي، وقوله { أولئك الذين طبع الله على قلوبهم } الآية، عبارة عن صرف الله لهم عن طريق الهدى، واختراع الكفر المظلم في قلوبهم، وتغليب الإعراض على نظرهم، فكأنه سد بذلك طرق هذه الحواس حتى لا ينتفع بها في اعتبار وتأمل، وقد تقدم القول وذكر الاختلاف في الطبع والختم في سورة البقرة، وهل هو حقيقة أو مجاز؟ و " السمع " اسم جنس وهو مصدر في الأصل، فلذلك وحد، ونبه على تكسبهم الإعراض عن النظر، فوصفهم بـ " الغفلة " ، وقد تقدم شرح { لا جرم } في هذه السورة، وقوله { ثم إن ربك للذين هاجروا } الآية، قال ابن عباس: كان قوم من أهل مكة أسلموا وكانوا يستخفون بالإسلام، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم، فأصيب بعضهم، فقال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا، فاستغفروا لهم، فنزلتإن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم } [النساء: 97] إلى آخر الآية قال: وكتب بها إلى من بقي بمكة من المسلمين وأن لا عذر لهم، فخرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة فنزلتومن الناس من يقول آمنا بالله } [البقرة: 8 العنكبوت: 10] إلى آخر الآية، فكتب المسلمون إليهم بذلك فخرجوا ويئسوا من كل خير، ثم نزلت فيهم: { ثم إن ربك للذين هاجروا } الآية، فكتبوا إليهم بذلك أن الله قد جعل لكم مخرجاً فأدركهم المشركون فقاتلوهم حتى نجا من نجا، وقتل من قتل.

قال القاضي أبو محمد: جاءت هذه الرواية هكذا أن بعد نزول الآية خرجوا فجيء الجهاد الذي ذكر في الآية جهادهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروت طائفة أنهم خرجوا وأتبعوا، وجاهدوا متبعيهم، فقتل من قتل، ونجا من نجا فنزلت الآية حينئذ، فعنى بالجهاد المذكور جهادهم لمتبعيهم، وقال ابن إسحاق: ونزلت هذه الآية في عمار بن ياسر وعياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد.

السابقالتالي
2