الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوۤاْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱتَّقُونِ } * { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ تَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { خَلَقَ ٱلإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ }

روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال جبريل في سرد الوحي: { أتى أمر الله } وثب رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً، فلما قال { فلا تستعجلوه } سكن. وقوله { أمر الله } قال فيه جمهور المفسرين: إنه يريد القيامة وفيها وعيد للكفار، وقيل: المراد نصر محمد عليه السلام، وقيل: المراد تعذيب كفار مكة بقتل محمد صلى الله عليه وسلم لهم وظهوره عليهم، ذكر نحو هذا النقاش عن ابن عباس، وقيل: المراد فرائض الله وأحكامه في عباده وشرعه لهم، هذا هو قول الضحاك، ويضعفه قوله { فلا تستعجلوه } إنا لا نعرف استعجالاً إلا ثلاثة اثنان منها للكفار وهي في القيامة وفي العذاب، والثالث للمؤمنين في النصر وظهور الإسلام، وقوله { أتى } على هذا القول إخبار عن إتيان ما يأتي، وصح ذلك من جهة التأكيد، وإذا كان الخبر حقاً فيؤكد المستقبل بأن يخرج في صيغة الماضي، أي كأنه لوضوحه والثقة به قد وقع، ويحسن ذلك في خبر الله تعالى لصدق وقوعه، وقال قوم: { أتى } بمعنى قرب، وهذا نحو ما قلت، وإنما يجوز الكلام بهذا عندي لمن يعلم قرينة التأكيد ويفهم المجاز، وأما إن كان المخاطب لا يفهم القرينة فلا يجوز وضع الماضي موضع المستقبل، لأن ذلك يفسد الخبر ويوجب الكذب، وإنما جار في الشرط لوضوح القرينة بـ { أن } ، ومن قال: إن الأمر القيامة، قال: إن قوله { فلا تستعجلوه } رد على المكذبين بالبعث القائلين متى هذا الوعد، ومن قال: إن الأمر تعذيب الكفار بنصر محمد صلى الله عليه وسلم وقتله لهم، قال إن قوله { فلا تستعجلوه } رد على القائلينعجل لنا قطنا } [ص: 16] ونحوه من العذاب، أو على مستبطئي النصر من المؤمنين في قراءة من قرأ بالتاء، وقرأ الجمهور " فلا تستعجلوه " بالتاء على مخاطبة المؤمنين أو على مخاطبة الكافرين بمعنى قل لهم: " فلا تستعجلوه " ، وقرأ سعيد بن جبير بالياء على غيبة المشركين، وقرأ حمزة والكسائي بالتاء من فوق وجميع الباقين قرأ " يشركون " بالياء، ورجح الطبري القراءة بالتاء من فوق في الحرفين، قال أبو حاتم: قرأ " يشركون " بالياء، من تحت في هذه والتي بعدها الأعرج وأبو جعفر ونافع وأبو عمرو وابن نصاح والحسن وأبو رجاء، وقرأ عيسى الأولى بالتاء من فوق، والثانية بالياء من تحت، وقرأهما جميعاً بالتاء من فوق أبو العالية وطلحة والأعمش وأبو عبد الرحمن ويحيى بن وثاب والجحدري، وقد روى الأصمعي عن نافع التاء في الأولى. وقوله { سبحانه } معناه تنزيهاً له، وحكى الطبري عن ابن جريج، قال: لما نزلت { أتى أمر الله فلا تستعجلوه } قال رجال من الكفار، إن هذا يزعم أن أمر الله قد أتى فأمسكوا عما أنتم بسبيله حتى ننظر، فلما لم يروا شيئاً عادوا فنزلت

السابقالتالي
2 3