الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن كَانَ أَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ } * { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ } * { وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ ٱلحِجْرِ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } * { وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ } * { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ } * { فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ } * { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ }

{ الأيكة } الغيضة والشجر الملتف المخضر يكون السدر وغيره، قال قتادة، وروي أن أيكة هؤلاء كانت من شجر الدوم، وقيل من المقل، وقيل من السدر، وكان هؤلاء قوماً يسكنون غيضة ويرتفقون بها في معايشهم فبعث الله إليهم شعيباً فكفروا فسلط الله عليهم الحر فدام عليهم سبعة أيام ثم رأوا سحابة فخرجوا فاستظلوا تحتها فاضطرمت عليهم ناراً، وحكى الطبري قال: بعث شعيب إلى أمتين كفرتا فعذبتا بعذابين مختلفين: أهل مدين عذبوا بالصيحة، و { أصحاب الأيكة } ، ولم يختلف القراء في هذا الموضع في إدخال الألف واللام على " أيكة " ، وأكثرهم همز ألف أيكة بعد اللام، وروي عن بعضهم أنه سهلها ونقل حركتها إلى اللام فقرأ " أصحاب الايكة " دون همز، واختلفوا في سورة الشعراء وفي صورة ص، و { إن } هي المخففة من الثقيلة على مذهب البصريين، وقال الفراء { إن } بمعنى ما، واللام في قوله { لظالمين } بمعنى إلا. قال أبو علي: الأيك جمع أيكة كترة وتمر.

قال القاضي أبو محمد: ومن الشاهد على اللفظة قول أمية بن أبي الصلت:

كبكاء الحمام على غصون الأيـ   ـك في الطير الجوانح
ومنه قول جرير: [الوافر]

وقفت بها فهاج الشوق مني   حمام الأيك يسعدها حمام
ومنه قول الآخر:

ألا إنما الدنيا غضارة أيكة   إذا اخضرَّ منها جانب جف جانب
ومنه قول الهذلي:

موشحة بالطرتين دنا لها   جنا أيكةٍ تضفو عليها قصارها
وأنشد الأصمعي: [البسيط]

وما خليج من المروت ذو حدب   يرمي الصعيد بخشب الأيك والضال
والضمير في قوله { وإنهما } يحتمل أن يعود على المدينتين اللتين تقدم ذكرهما: مدينة قوم لوط، ومدينة أصحاب الأيكة، ويحتمل أن يعود للنبيين: على لوط وشعيب، أي أنهما على طريق من الله وشرع مبين. و " الإمام " في كلام العرب الشيء الذي يهتدي به ويؤتم، يقولونه لخيط البناء، وقد يكون الطريق، وقد يكون الكتاب المفيد، وقد يكون القياس الذي يعمل عليه الصناع، وقد يكون الرجل المقتدى به، ونحو هذا، ومن رأى عود الضمير في { إنهما } على المدينتين قال " الإمام " الطريق، وقيل على ذلك " الإمام " الكتاب الذي سبق فيه إهلاكهما، و { أصحاب الحجر } هم ثمود، وقد تقدم قصصهم، و { الحجر } مدينتهم، وهي ما بين المدينة وتبوك، وقال { المرسلين } من حيث يجب بتكذيب رسول واحد تكذيب الجميع، إذ القول في المعتقدات واحد للرسل أجمع، فهذه العبارة أشنع على المكذبين، و " الآية " التي آتاهم الله في الناقة وما اشتملت عليه من خرق العادة حسبما تقدم تفسيره وبسطه، وقرأ أبو حيوة " وآتيناهم آيتنا " مفردة، وقوله تعالى: { وكانوا ينحتون } الآية، يصف قوم صالح بشدة النظر للدنيا والتكسب منها فذكر من ذلك مثالاً أن بيوتهم كانوا ينحتونها من حجر الجبال، و " النحت " النقر بالمعاول ونحوها في الحجارة والعود ونحوه، وقرأ جمهور الناس " ينحِتون " بكسر الحاء، وقرأ الحسن " ينحَتون " بفتحها، وذلك لأجل حرف الحلق، وهي قراءة أبي حيوة، وقوله { آمنين } قيل معناه من انهدامها، وقيل من حوادث الدنيا، وقيل من الموت لاغترارهم بطول الأعمال.

السابقالتالي
2