تقدم القول في الحروف المقطعة في أوائل السور. و { تلك } يمكن أن تكون إشارة إلى حروف المعجم - بحسب بعض الأقوال - ويمكن أن تكون إشارة إلى الحكم والعبر ونحوها التي تضمنتها آيات التوراة والإنجيل، وعطف القرآن عليه. قال مجاهد وقتادة: { الكتاب } في الآية، ما نزل من الكتب قبل القرآن، ويحتمل أن يريد بـ { الكتاب } القرآن، ثم تعطف الصفة عليه. وقرأ نافع وعاصم " ربَما " بتخفيف الباء. وقرأ الباقون بشدها، إلا أن أبا عمرو قرأها على الوجهين، وهما لغتان، وروي عن عاصم " رُبُما " بضم الراء والباء مخففة، وقرأ طلحة بن مصرف " ربتما " بزيادة تاء، وهي لغة. و { ربما } للتقليل وقد تجيء شاذة للتكثير، وقال قوم: إن هذه من ذلك، ومنه: رب رفد هرقته. ومنه:
رب كأس هرقت يا ابن لؤي.
وأنكر الزجاج أن تجيء " رب " للتكثير. و " ما " التي تدخل عليها " رب " قد تكون اسماً نكرة بمنزلة شيء، وذلك إذا كان في الضمير عائد عليه، كقول الشاعر: [الخفيف]
ربما تكره النفوس من الأمـ
ـر له فرجة كحل العقال
التقدير: رب شيء، وقد تكون حرفاً كافاً لرب وموطئاً لها لتدخل على الفعل إذ ليس من شأنها أن تدخل إلا على الأسماء، وذلك إذا لم يكن ثم ضمير عائد كقول الشاعر: [جذيمة الأبرش] [المديد]
ربما أوفيت في علم
ترفعن ثوبي شمالات
قال القاضي أبو محمد: وكذلك دخلت " ما " على " من " كافة، في نحو قوله: وكان الرسول صلى الله عليه وسلم مما يحرك شفتيه. ونحو قول الشاعر: [الطويل]
وإنا لمما نضرب الكبش ضربة
على رأسه تلقي اللسان من الفم
قال الكسائي والفراء: الباب في " ربما " أن تدخل على الفعل الماضي، ودخلت هنا على المستقبل إذ هذه الأفعال المستقبلة من كلام الله تعالى لما كانت صادقة حاصلة ولا بد جرت مجرى الماضي الواقع. قال القاضي أبو محمد: وقد تدخل رب على الماضي الذي يراد به الاستقبال، وتدخل على العكس. والظاهر في { ربما } في هذه الآية أن " ما " حرف كاف - هكذا قال أبو علي، قال: ويحتمل أن تكون اسماً، ويكون في { يود } ضمير عائد عليه، التقدير: رب ود أو شيء يوده { الذين كفروا لو كانوا مسلمين }. قال القاضي أبو محمد: ويكون { لو كانوا مسلمين } بدلاً من " ما ". وقالت فرقة: تقدير الآية: ربما كان يود الذين كفروا. قال أبو علي: وهذا لا يجيزه سيبويه، لأن كان لا تضمر عنده. واختلف المتأولون في الوقت الذي يود فيه الكفار أن لو كانوا مسلمين، فقالت فرقة: هو عند معاينة الموت في الدنيا - حكى ذلك الضحاك - وفيه نظر، لأنه لا يقين للكافر حينئذ بحسن حال المسلمين، وقالت فرقة: هو عند معاينة أهوال يوم القيامة - قاله مجاهد - وهذا بين، لأن حسن حال المسلمين ظاهر، فتود، وقال ابن عباس وأنس بن مالك: هو عند دخولهم النار ومعرفتهم بدخول المؤمنين الجنة، واحتج لهذا القول بحديث روي في هذا من طريق أبي موسى الأشعري وهو: أن الله إذا أدخل عصاة المسلمين النار نظر إليهم الكفار فقالوا: ليس هؤلاء من المسلمين فماذا أغنت عنهم لا إله إلا الله؟ قال: فيغضب الله تعالى لقولهم، فيقول: أخرجوا من النار كل مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: