الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } * { وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ ٱلْوَارِثُونَ } * { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَأْخِرِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } * { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } * { وَٱلْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ }

يقال: لقحت الناقة والشجرة فهي لاقحة: إذا حملت، والرياح تلقح الشجر والسحاب، فالوجه في الريح أنها ملقحة لا لاقحة، وتتجه صفة { الرياح } بـ { لواقح } على أربعة أوجه:

أولها وأولاها: أن نجعلها لاقحة حقيقة، وذلك أن الرياح منها ما فيها عذاب أو حر ونار، ومنها ما فيه رحمة ومطر أو نصر أو غير ذلك، فإذا بها تحمل ما حملتها القدرة، أو ما علقته من الهواء أو التراب أو الماء الذي مرت عليه، فهي لاقحة بهذا الوجه، وإن كانت أيضاً تلقح غيرها وتصير إليه نفعها. والعرب تسمي الجنوب الحامل واللاقحة، وتسمي الشمال الحايل والعقيم ومحوة، لأنها تمحو السحاب. وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الريح الجنوب من الجنة، وهي اللواقح التي ذكر الله، وفيها منافع للناس " ؛ ومن هذا قول الطرماح:

قلق لا فبان الريا   ح للاقح منها وحائل
ومن قول أبي وجزة:

من نسل جوابة الآفاق   
فجعلها حاملاً تنسل.

قال القاضي أبو محمد: ويخرج هذا على أنها ملقحة فلا حجة فيه.

والثاني: أن يكون وصفها بـ { لواقح } من باب قولهم: ليل نائم، أي فيه نوم ومعه، ويوم عاصف ونحوه: فهذا على طريق المجاز.

والثالث: أن توصف الرياح بـ { لواقح } على جهة النسب، أي ذات لقح، كقول النابغة:

كليني لهم يا أميمة ناصب   
أي ذي نصب.

والرابع: أن تكون { لواقح } جمع ملقحة على حذف زوائده، فكأنه لقحة، فجمعها كما تجمع لاقحة، ومثله قول الشاعر [سيبويه]: [الطويل]

ليبك يزيد ضارع لخصومة   وأشعث ممن طوحته الطوائح
وإنما طوحته المطاوح، وعلى هذا النحو فسرها أبو عبيدة في قوله: { لواقح } ملاقح، وكذلك العبارة عنها في كتاب البخاري: لواقح ملاقح ملقحة.

وقرأ الجمهور " الرياح " بالجمع، وقرأ الكوفيون - حمزة وطلحة بن مصرف والأعمش ويحيى بن وثاب - " الريح " بالإفراد، وهي للجنس، فهي في معنى الجمع، ومثلها الطبري بقولهم: " قميص أخلاق وأرض أغفال ".

قال القاضي أبو محمد: وهذا كله من حيث هو أجزاء كثيرة تجمع صفته، فكذلك ريح لواقع لأنها متفرقة الهبوب، وكذلك: دار بلاقع، أي كل موضع منها بلقع.

وقال الأعمش: إن في قراءة عبد الله " وأرسلنا الرياح يلقحن " ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الريح من نفس الرحمن " ، ومعنى الإضافة هنا هي من إضافة خلق إلى خالق، كما قال:من روحي } [الحجر: 29] ومعنى نفس الرحمن: أي من تنفيسه وإزالته الكرائب والشدائد. فمن التنفس بالريح النصر بالصبا وذرو الأرزاق بها، وما لها من الخدمة في الأرزاق وجلب الأمطار وغير ذلك مما يكثر عده.

السابقالتالي
2 3 4