الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ } * { وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } * { إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ } * { وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ } * { وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ } * { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ }

لما ذكر تعالى أنهم لو رأوا الآية المذكورة في السماء لعاندوا فيها - عقب ذلك بهذه الآية - فكأنه قال: وإن في السماء لعبراً منصوبة غير هذه المذكورة، وكفرهم بها، وإعراضهم عنها إصرار منهم وعتو.

و " البروج ": المنازل، واحدها برج، وسمي بذلك لظهوره، ووضوحه، ومنه تبرج المرأة: ظهورها وبدوها، والعرب تقول: برج الشيء: إذا ظهر وارتفع.

و " حفظ السماء " هو بالرجم بالشهب " على ما تضمنته الأحاديث الصحاح. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الشياطين تقرب من السماء أفواجاً " ، قال: فينفرد المارد منها، فيعلو فيسمع، فيرمى بالشهاب. فيقول لأصحابه - وهو يلتهب - إنه من الأمر كذا وكذا - فيزيد الشياطين في ذلك ويلقون إلى الكهنة، فيزيدون مع الكلمة مائة ونحو هذا... الحديث. وقال ابن عباس: إن الشهب تجرح وتؤذي ولا تقتل، وقال الحسن: تقتل.

قال القاضي أبو محمد: وفي الأحاديث ما يدل على أن الرجم كان في الجاهلية ولكنه اشتد في وقت الإسلام وحفظ السماء حفظاً تاماً. وقال الزجاج: لم يكن إلا بعد النبي عليه السلام، بدليل أن الشعراء لم يشبهوا به في السرعة إلا بعد الإسلام. وذكر الزهراوي عن أبي رجاء العطاردي أنه قال: كنا لا نرى الرجم بالنجوم قبل الإسلام.

و { رجيم } فعيل بمعنى مفعول. فإما من رجم الشهب، وإما من الرجم الذي هو الشتم والذم. ويقال: تبعت الرجل واتبعته بمعنى واحد. و { إلا } بمعنى: لكن.

قال القاضي أبو محمد: هذا قول، والظاهر أن الاستثناء من الحفظ، وقال محمد بن يحيى عن أبيه: { إلا من استرق السمع } ، فإنها لم تحفظ منه - ذكره الزهراوي.

وقوله تعالى: { والأرض مددناها } روي في الحديث: " أن الأرض كانت تتكفأ بأهلها كما تتكفأ السفينة فثبتها الله بالجبال " يقال: رسا الشيء يرسو: إذا رسخ وثبت.

وقوله: { موزون } قال الجمهور: معناه مقدر محرر بقصد وإرادة، فالوزن - على هذا - مستعار. وقال ابن زيد: المراد ما يوزن حقيقة كالذهب والفضة والفلز كله وغير ذلك مما يوزن.

قال القاضي أبو محمد: الأول أعم وأحسن.

و { معايش } جمع معيشة. وقرأها الأعمش بالهمز وكذلك روى خارجة عن نافع. والوجه ترك الهمز لأن أصل ياء معيشة الحركة. فيردها إلى الأصل الجمع، بخلاف: مدينة ومدائن.

وقوله: { ومن لستم له برازقين } يحتمل أن تكون { من } في موضع نصب وذلك على ثلاثة أوجه.

أحدها: أن يكون عطفاً على { معايش } ، كأن الله تعالى عدد النعم في المعايش، وهي ما يؤكل ويلبس، ثم عدد النعم في الحيوان والعبيد والصناع وغير ذلك مما ينتفع به الناس وليس عليهم رزقهم.

السابقالتالي
2