الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ } * { لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ }

يحتمل أن يكون الضمير في { نسلكه } يعود على الاستهزاء والشرك ونحوه - وهو قول الحسن وقتادة وابن جرير وابن زيد - ويكون الضمير في { به } يعود أيضاً على ذلك بعينه، وتكون باء السبب، أي لا يؤمنون بسبب شركهم واستهزائهم، ويكون قوله: { لا يؤمنون به } في موضع الحال.

ويحتمل أن يكون الضمير في { نسلكه } عائداً على الذكر المحفوظ المتقدم الذكر وهو القرآن، أي مكذباً به مردوداً مستهزأ به ندخله في قلوب المجرمين، ويكون الضمير في { به } عائداً عليه أيضاً أي لا يصدقون به.

ويحتمل أن يكون الضمير في { نسلكه } عائداً على الاستهزاء والشرك، والضمير في { به } يعود على القرآن، فيختلف - على هذا - عود الضميرين.

والمعنى في ذلك كله ينظر بعضه إلى بعض.

و { نسلكه } معناه: ندخله، يقال: سلكت الرجل في الأمر، أي أدخلته فيه، ومن هذا قول الشاعر [عدي بن زيد]: [الوافر]

وكنت لزاز خصمك لم أعرد   وقد سلكوك في يوم عصيب
ومنه قول الآخر [عبد مناف بن ربع الهذلي]: [البسيط]

حتى إذا سلكوهم في قتايدة   شلاكما تطرد الجمالة الشردا
ومنه قول أبي وجزة يصف حمر وحش: [البسيط]

حتى سلكن الشوى منهن في مسك   من نسل جوابة الآفاق مهداج
قال الزجاج: ويقرأ: " نُسلِكه " بضم النون وكسر اللام، و { المجرمين } في هذه الآية يراد بهم كفار قريش ومعاصري محمد صلى الله عليه وسلم.

وقوله: { لا يؤمنون به } عموم معناه الخصوص فيمن حتم عليه. وقوله: { وقد خلت سنة الأولين } أي على هذه الوتيرة.

وتقول: سلكت الرجل في الأمر، وأسلكته، بمعنى واحد. ويروى: حتى إذا أسلكوهم في قتايدة؛ البيت.

وقوله: { ولو فتحنا عليهم } ، الضمير في { عليهم } عائد على قريش وكفرة العصر المحتوم عليهم. والضمير في قوله: { فظلوا } يحتمل أن يعود عليهم - وهو أبلغ في إصرارهم - وهذا تأويل الحسن: و { يعرجون } معناه: يصعدون.

وقرأ الأعمش وأبو حيوة " يعرِجون " بكسر الراء، والمعارج الأدراج، ومنه: المعراج، ومنه قول كثير: [الطويل].

إلى حسب عود بني المر قبله   أبوه له فيه معارج سلم
ويحتمل أن يعود علىالملائكة } [الحجر: 7] لقولهم:لو ما تأتينا بالملائكة } [الحجر: 7]، فقال الله تعالى: " ولو رأوا الملائكة يصعدون ويتصرفون في باب مفتوح في السماء، لما آمنوا ": وهذا تأويل ابن عباس.

وقرأ السبعة سوى ابن كثير: " سُكّرت " بضم السين وشد الكاف، وقرأ ابن كثير وحده بتخفيف الكاف، وهي قراءة مجاهد. وقرأ ابن الزهري بفتح السين وتخفيف الكاف، على بناء الفعل لفاعل. وقرأ أبان بن تغلب " سحرت أبصارنا " ، ويجيء قوله: { بل نحن قوم مسحورون } انتقالاً إلى درجة عظمى من سحر العقل والجملة.

السابقالتالي
2