الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }

هذه الآية طعن ورد على المستغربين أمر محمد عليه السلام، أي لست يا محمد ببدع من الرسل، وإنما أرسلناك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور على عادتنا في رسلنا، في أن نبعثهم بألسنة أممهم ليقع البيان والعبارة المتمكنة، ثم يكون سائر الناس من غير أهل اللسان عيالاً في التبيين على أهل اللسان الذي يكون للنبي، وجعل الله العلة في إرسال الرسل بألسنة قومهم طلب البيان ثم قطع قوله: { فيضل } أي إن النبي إنما غايته أن يبلغ ويبين، وليس فيما كلف أن يهدي ويضل، بل ذلك بيد الله ينفذ فيه سابق قضائه، وله في ذلك العزة التي لا تعارض، والحكمة التي لا تعلل، لا رب غيره.

قال القاضي أبو محمد: فإن اعترض أعجمي بأن يقول: من أين يبين لي هذا الرسول الشريعة وأنا لا أفهمه؟ قيل له: أهل المعرفة باللسان يعبرون ذلك، وفي ذلك كفايتك.

فإن قال: ومن أين تتبين لي المعجزة وأفهم الإعجاز وأنا لا أفقه اللغة؟ قيل له: الحجة عليك إذعان أهل الفصاحة والذين كانوا يظن بهم أنهم قادرون على المعارضة وبإذعانهم قامت الحجة على البشر، كما قامت الحجة في معجزة موسى بإذعان السحرة، وفي معجزة عيسى بإذعان الأطباء.

و " اللسان " في هذه الآية يراد به اللغة.

وقرأ أبو السمال " بلسْن " بسكون السين دون ألف - كريش ورياش - ويقال: لسن ولسان في اللغة، فأما العضو فلا يقال فيه لسن - بسكون السين.

وقوله: { ولقد أرسلنا موسى } الآية، آيات الله هي العصا واليد وسائر التسع. وقوله: { أن أخرج } تقديره: بأن أخرج، ويجوز أن تكون { أن } مفسرة لا موضع لها من الإعراب، وأما { الظلمات } و { النور } فيحتمل أن يراد بها من الكفر إلى الإيمان. وهذا على ظاهر أمر بني إسرائيل في أنهم كانوا قبل بعث موسى أشياعاً متفرقين في الدين. قوم مع القبط في عبادة فرعون، وكلهم على غير شيء، وهذا مذهب الطبري - وحكاه عن ابن عباس - وإن صح أنهم كانوا على دين إبراهيم وإسرائيل ونحو هذا فـ { الظلمات } الذل والعبودية، و { النور } العزة والدين والظهور بأمر الله تعالى.

قال القاضي أبو محمد: وظاهر هذه الآية وأكثر الآيات في رسالة موسى عليه السلام أنها إنما كانت إلى بني إسرائيل خاصة، في معنى الشرع لهم وأمرهم ونهيهم بفروع الديانة، وإلى فرعون وأشراف قومه في أن ينظروا ويعتبروا في آيات موسى فيقروا بالله ويؤمنوا به تعالى وبموسى ومعجزته ويتحققوا نبوته ويرسلوا معه بني إسرائيل.

قال القاضي أبو محمد: ولا يترتب هذا إلا بإيمان به. وأما أن تكون رسالته إليهم لمعنى اتباعه والدخول في شرعه فليس هذا بظاهر القصة ولا كشف الغيب ذلك، ألا ترى أن موسى خرج عنهم ببني إسرائيل؟ فلو لم يتبع لمضى بأمته، وألا ترى أنه لم يدع القبط بجملتهم وإنما كان يحاور أولي الأمر؟ وأيضاً فليس دعاؤه لهم على حد دعاء نوح وهود وصالح أممهم في معنى كفرهم ومعاصيهم، بل في الاهتداء والتزكي وإرسال بني إسرائيل.

السابقالتالي
2