الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلأَمْثَالَ } * { وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ } * { فَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ } * { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ }

يقول عز وجل: { وسكنتم } أيها المعرضون عن آيات الله من جميع العالم { في مساكن الذين ظلموا أنفسهم } بالكفر من الأمم السالفة، فنزلت بهم المثلات، فكان نولكم الاعتبار والاتعاظ.

وقرأ الجمهور " وتبين " بتاء. وقرأ السلمي - فيما حكى المهدوي - " ونُبين " بنون عظمة مضمومة وجزم، على معنى: أو لم يبين، عطف علىأو لم تكونوا } [إبراهيم: 44] قال أبو عمرو: وقرأ أبو عبد الرحمن: بضم النون ورفع النون الأخيرة.

وقوله: { وعند الله مكرهم } هو على حذف مضاف تقديره: وعند الله عقاب مكرهم أو جزاء مكرهم، ويحتمل قوله تعالى: { وقد مكروا مكرهم } أن يكون خطاباً لمحمد عليه السلام، والضمير لمعاصريه، ويحتمل أن يكون مما يقال للظلمة يوم القيامة والضمير للذين سكن في منازلهم.

وقرأ السبعة سوى الكسائي: " وإن كان مكرهم لِتزولَ منه الجبال " بكسر اللام من { لتزول } وفتح الأخيرة، وهي قراءة علي بن أبي طالب وجماعة سكنوا وهذا على أن تكون " إن " نافية بمعنى ما، ومعنى الآية: تحقير مكرهم وأنه ما كان لتزول منه الشرائع والنبوات وأقدار الله بها التي هي كالجبال في ثبوتها وقوتها، هذا تأويل الحسن وجماعة من المفسرين، وتحتمل عندي هذه القراءة أن تكون بمعنى تعظيم مكرهم، أي وإن كان شديداً إنما يفعل لتذهب به عظام الأمور.

وقرأ الكسائي: " وإن كان مكرهم لَتزولُ منه الجبال " بفتح اللام الأولى من { لتزول } وضم الأخيرة، وهي قراءة ابن عباس ومجاهد وابن وثاب، وهذا على أن تكون " إن " مخففة من الثقيلة، ومعنى الآية تعظيم مكرهم وشدته، أي أنه مما يشقى به ويزيل الجبال عن مستقراتها لقوته، ولكن الله تعالى أبطله ونصر أولياءه، وهذا أشد في العبرة.

وقرأ علي بن أبي طالب وابن مسعود وعمر بن الخطاب وأبي بن كعب " وإن كاد مكرهم " ، ويترتب مع هذه القراءة في { لتزول } ما تقدم. وذكر أبو حاتم أن في قراءة أبي بن كعب " ولولا كلمة الله لزال من مكرهم الجبال ". وحكى الطبري عن بعض المفسرين أنهم جعلوا هذه الآية إشارة إلى ما فعل نمرود إذ علق التابوت من الأنسر، ورفع لها اللحم في أطراف الرماح بعد أن أجاعها ودخل هو وحاجبه في التابوت، فعلت بهما الأنسر حتى قال له نمرود: ماذا ترى؟ قال: أرى بحراً وجزيرة - يريد الدنيا المعمورة - ثم قال: ماذا ترى؟ قال: أرى غماماً ولا أرى جبلاً، فكأن الجبال زالت عن نظر العين بهذا المكر، وذكر ذلك عن علي بن أبي طالب. وذلك عندي لا يصح عن علي رضي الله عنه، وفي هذه القصة كلها ضعف من طريق المعنى، وذلك أنه غير ممكن أن تصعد الأنسر كما وصف، وبعيد أن يغرر أحد بنفسه في مثل هذا.

السابقالتالي
2