الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ فَي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } * { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى ٱلْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } * { رَبِّ ٱجْعَلْنِي مُقِيمَ ٱلصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ } * { رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ ٱلْحِسَابُ }

مقصد إبراهيم عليه السلام بقوله: { ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن } التنبيه على اختصاره في الدعاء، وتفويضه إلى ما علم الله من رغائبه وحرصه على هداية بنيه والرفق بهم وغير ذلك، ثم انصرف إلى الثناء على الله تعالى بأنه علام الغيوب، وإلى حمده على هباته، وهذه من الآيات المعلمة أن علم الله تعالى بالأشياء هو على التفصيل التام.

وروي في قوله: { على الكبر } أنه لما ولد له إسماعيل وهو ابن مائة وسبعة عشر عاماً، وروي أقل من هذا، و { إسماعيل } أسنّ من { إسحاق } ، فيما روي، وبحسب ترتيب هذه الآية -وروي عن سعيد بن جبير أنه قال: بشر إبراهيم وهو ابن مائة وسبعة عشر عاماً.

وقوله: { رب اجعلني مقيم الصلاة } ، دعا إبراهيم عليه السلام في أمر كان مثابراً عليه متمسكاً به، ومتى دعا الإنسان في مثل هذا فإنما القصد إدامة الأمر واستمراره.

وقرأ طلحة والأعمش " دعاء ربنا " بغير ياء. وقرأ أبو عمرو وابن كثير " دعائي " بياء ساكنة في الوصل، وأثبتها بعضهم دون الوقف في الوصل. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي بغير ياء في وصل ولا وقف. وروى ورش عن نافع: إثبات الياء في الوصل، وقرأت فرقة " ولوالديّ " واختلف في تأويل ذلك، وقالت فرقة: كان هذا من إبراهيم قبل يأسه من إيمان أبيه وتبينه أنه عدو لله، فأراد أباه وأمه، لأنها كانت مؤمنة، وقيل: أراد آدم ونوحاً عليهما السلام. وقرأ سعيد بن جبير " ولوالدي " بإفراد الأب وحده، وهذا يدخله ما تقدم من التأويلات، وقرأ الزهري وإبراهيم النخعي " ولولديّ " على أنه دعاء لإسماعيل وإسحاق، وأنكرها عاصم الجحدري، وقال إن في مصحف أبيّ بن كعب " ولأبوي " ، وقرأ يحيى بن يعمر " ولوُلْدي " بضم الواو وسكون اللام، والولد لغة في الولد، ومنه قول الشاعر - أنشده أبو علي وغيره: [الطويل]

فليت زياداً كان في بطن أمِّه   وليت زياداً كان وُلْدَ حمار
ويحتمل أن يكون الولد جمع ولد كأسد في جمع أسد.

وقوله: { يوم يقوم الحساب } معناه يوم يقوم الناس للحساب، فأسند القيام للحساب إيجازاً، إذ المعنى مفهوم.

قال القاضي أبو محمد: ويتوجه أن يريد قيام الحساب نفسه، ويكون القيام بمعنى ظهوره وتلبس العباد بين يدي الله به، كما تقول: قامت السوق وقامت الصلاة، وقامت الحرب على ساق.