الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلأَنْهَارَ } * { وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ } * { وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ }

" العباد " جمع عبد، وعرفه في التكرمة بخلاف العبيد. وقوله: { يقيموا } قالت فرقة من النحويين: جزمه بإضمار لام الأمر على حد قول الشاعر: [الوافر]

محمد تفد نفسك كل نفس   
أنشده سيبويه - إلا أنه قال: إن هذا لا يجوز إلا في شعر. وقالت فرقة: أبو علي وغيره - هو فعل مضارع بني لما كان في معنى فعل الأمر، لأن المراد: أقيموا، وهذا كما بني الاسم المتمكن في النداء في قولك: يا زيد لما شبه بقبل وبعد، وقال سيبويه: هو جواب شرط مقدر يتضمنه صدر الآية، تقديره: إن تقل لهم أقيموا يقيموا.

قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن يكون جواب الأمر الذي يعطينا معناه قوله: { قل } ، وذلك أن يجعل { قل } في هذه الآية بمعنى: بلغ وأد الشريعة يقيموا الصلاة، وهذا كله على أن المقول هو: الأمر بالإقامة والإنفاق. وقيل إن المقول هو: الآية التي بعد، أعني قوله: { الله الذي خلق السماوات }.

و " السر ": صدقة التنفل، و " العلانية " المفروضة - وهذا هو مقتضى الأحاديث - وفسر ابن عباس هذه الآية بزكاة الأموال مجملاً، وكذلك فسر الصلاة بأنها الخمس - وهذا منه - عندي - تقريب للمخاطب.

و { خلال } مصدر من خالل: إذا واد وصافى، ومنه الخلة والخليل وقال امرؤ القيس: [الطويل]

صرفت الهوى عنهن من خشية الردى   ولست بمقلي الخلال ولا قال
وقال الأخفش: " الخلال " جمع خلة.

وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي وابن عامر: " لا بيع ولا خلال " بالرفع على إلغاء " لا " وقرأ أبو عمرو والحسن وابن كثير: " ولا بيعَ ولا خلالَ " بالنصب على التبرية، وقد تقدم هذا. والمراد بهذا اليوم يوم القيامة.

وقوله تعالى: { الله الذي خلق السماوات } الآية، تذكير بآلاء الله، وتنبيه على قدرته التي فيها إحسان إلى البشر لتقوم الحجة من جهتين.

و { الله } مبتدأ، و { الذي } خبره. ومن أخبر بهذه الجملة وتقررت في نفسه آمن وصلى وأنفق. و { السماوات } هي الأرقعة السبعة والسماء في قوله،وأنزل من السماء } [البقرة: 22] السحاب.

وقوله: { من الثمرات } يجوز أن تكون { من } للتبعيض، فيكون المراد بعض جني الأشجار، ويسقط ما كان منها سماً أو مجرداً للمضرات، ويجوز أن تكون { من } لبيان الجنس، كأنه قال: فأخرج به رزقاً لكم من الثمرات، وقال بعض الناس: { من } زائدة -وهذا لا يجوز عند سيبويه لكونها في الواجب ويجوز عند الأخفش.

و { الفلك } جمع فلك - وقد تقدم القول فيه مراراً - وقوله: { بأمره } مصدر من أمر يأمر، وهذا راجع إلى الكلام القائم بالذات، كقول الله تعالى للبحار والأرض وسائر الأشياء، كن - عند الإيجاد - إنما معناه: كن بحال كذا وعلى وتيرة كذا، وفي هذا يندرج جريان الفلك وغيره.

السابقالتالي
2