الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } * { ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } * { ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ }

تقدم القول في الحروف المقطعة في أوائل السور والاختلاف في ذلك.

و { كتاب } رفع على خبر ابتداء مضمر تقديره هذا كتاب، وهذا على أكثر الأقوال في الحروف المقطعة، وأما من قال فيها، إنها كناية عن حروف المعجم، فـ { كتاب } مرتفع بقوله: { الر } أي هذه الحروف كتاب أنزلناه إليك، وقوله: { أنزلناه } في موضع الصفة للكتاب.

قال القاضي ابن الطيب وأبو المعالي وغيرهما: إن الإنزال لم يتعلق بالكلام القديم الذي هو صفة الذات، لكن بالمعاني التي أفهمها الله تعالى جبريل عليه السلام من الكلام.

وقوله: { لتخرج } أسند الإخراج إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حيث له فيه المشاركة بالدعاء والإنذار، وحقيقته إنما هي لله تعالى بالاختراع والهداية. وفي هذه اللفظة تشريف للنبي عليه السلام.

وعم { الناس } إذ هو مبعوث إلى جميع الخلق، ثبت ذلك بآيات القرآن التي اقترن بها ما نقل تواتراً من دعوته العالم كله، ومن بعثته إلى الأحمر والأسود علم الصحابة ذلك مشاهدة، ونقل عنهم تواتراً، فعلم قطعاً والحمد لله.

واستعير { الظلمات } للكفر، و { النور } للإيمان، تشبيهاً.

وقوله: { بإذن ربهم } ، أي بعلمه وقضائه به وتمكينه لهم..

و { إلى } في قوله: { إلى صراط } بدل من الأولى في قوله: { إلى النور } أي إلى المحجة المؤدية إلى طاعة الله وللإيمان به ورحمته، فأضافها إلى الله بهذه التعلقات.

و { العزيز الحميد } صفتان لائقتان بهذا الموضع، فالعزة من حيث الإنزال للكتاب، وما في ضمن ذلك من القدرة، واستيجاب الحمد من جهة بث هذه النعم على العالم في نصب هدايتهم.

وقرأ نافع وابن عامر " اللهُ الذي " برفع اسم الله على القطع والابتداء وخبره " الذي " ، ويصح رفعه على تقدير هو الله الذي. وقرأ الباقون بكسر الهاء على البدل من قوله: { العزيز الحميد } ، وروى الأصمعي وحده هذه القراءة عن نافع. وعبر بعض الناس عن هذا بأن قال: التقدير: إلى صراط الله العزيز الحميد، ثم قدم الصفات وأبدل منها الموصوف.

قال القاضي أبو محمد: وإذا كانت هكذا فليست بعد بصفات على طريقة صناعة النحو، وإن كانت بالمعنى صفاته، ذكر معها أو لم يذكر.

وقوله: { وويل } معناه: وشدة وبلاء ونحوه. أي يلقونه من عذاب شديد ينالهم الله به يوم القيامة، ويحتمل أن يريد في الدنيا، هذا معنى قوله: { وويل }. وقال بعض: " ويل " اسم واد في جهنم يسيل من صديد أهل النار.

قال القاضي أبو محمد: وهذا خبر يحتاج إلى سند يقطع العذر، ثم لو كان هذا لقلق تأويل هذه الآية لقوله: { من عذاب } وإنما يحسن تأوله في قوله:ويلٌ للمطففين } [المطففين: 1] وما أشبهه، وأما هنا فإنما يحسن في " ويل " أن يكون مصدراً، ورفعه على نحو رفعهم: سلام عليك وشبهه.

السابقالتالي
2