الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } * { وَٱسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } * { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ } * { يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ }

قوله: { أو لتعودن في ملتنا } قالت فرقة: { أو } هنا بمعنى: " إلا أن " كما هي في قول امرىء القيس: [الطويل]

فقلت له لا تبك عيناك إنما   نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا
قال القاضي أبو محمد: وتحمل { أو } في هذه الآية أن تكون على بابها لوقوع أحد الأمرين، لأنهم حملوا رسلهم على أحد الوجهين، ولا يحتمل بيت امرىء القيس ذلك، لأنه لم يحاول أن يموت فيعذر، فتخلصت بمعنى إلا أن، ولذلك نصب الفعل بعدها. وقالت فرقة هي بمعنى " حتى " في الآية، وهذا ضعيف، وإنما تترتب كذلك في قوله: لألزمنك أو تقضيني حقي، وفي قوله: لا يقوم زيد أو يقوم عمرو، وفي هذه المثل كلها يحسن تقدير إلا أن.

و " العودة " أبداً إنما هي إلى حالة قد كانت، والرسل ما كانوا قط في ملة الكفر، فإنما المعنى: لتعودن في سكوتكم عنا وكونكم أغفالاً، وذلك عند الكفار كون في ملتهم.

وخصص تعالى { الظالمين } من الذين كفروا إذ جائز أن يؤمن من الكفرة الذي قالوا المقالة ناس، فإنما توعد بالإهلاك من خلص للظلم.

وقوله: { لنسكننكم } الخطاب للحاضرين، والمراد هم وذريتهم، ويترتب هذا المعنى في قوله:ويؤخركم إلى أجل مسمى } [إبراهيم: 10] أي يؤخركم وأعقابكم.

وقرأ أبو حيوة: " ليهلكن " و " ليسكننكم " بالياء فيهما.

وقوله: { مقامي } يحتمل أن يريد به المصدر من القيام على الشيء بالقدرة، ويحتمل أن يريد به الظرف لقيام العبد بين يديه في الآخرة، فإضافته - إذا كان مصدراً - إضافة المصدر إلى الفاعل، وإضافته - إذا كان ظرفاً - إضافة الظرف إلى حاضره، أي مقام حسابي، فجائز قوله: { مقامي } وجائز لو قال: مقامه، وجائز لو قال: مقام العرض والجزاء، وهذا كما تقول: دار الحاكم ودار الحكم ودار المحكوم عليهم.

وقال أبو عبيدة: { مقامي } مجازه، حيث أقيمه بين يدي للحساب، و " الاستفتاح " طلب الحكم، والفتاح: الحاكم، والمعنى: أن الرسل استفتحوا، أي سألوا الله تعالى إنفاذ الحكم بنصرهم وتعذيب الكفرة، وقيل: بل استفتح الكفار، على نحو قول قريشعجل لنا قطنا } [ص: 16] وعلى نحو قول أبي جهل في بدر اللهم أقطعنا للرحم وأتانا بما لا يعرف فاحنه الغداة. هذا قول أبي زيد.

وقرأت فرقة " واستفتِحوا " بكسر التاء، على معنى الأمر للرسل، قرأها ابن عباس ومجاهد وابن محيصن.

و { خاب } معناه: خسر ولم ينجح، و " الجبار ": المتعظم في نفسه، الذي لا يرى لأحد عليه حقاً، وقيل: معناه الذي يجبر الناس على ما يكرهون.

قال القاضي أبو محمد: وهذا هو المفهوم من اللفظ، وعبر قتادة وغيره عن " الجبار " بأنه الذي يأبى أن يقول: لا إله إلا الله.

السابقالتالي
2