الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ } * { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْكَبِيرُ ٱلْمُتَعَالِ } * { سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ }

لما تقدم تعجب الكفار واستبعادهم البعث من القبور - قص في هذه الآيات المثل المنبهة على قدرة الله تعالى القاضية بتجويز البعث:

فمن ذلك هذه الواحدة من الخمس التي هي من مفاتيح الغيب، وهي أن الله تعالى انفرد بمعرفة ما تحمل به الإناث، من الأجنة من كل نوع من الحيوان؛ وهذه البدأة تبين أنه لا تتعذر على القادر عليها الإعادة.

و { ما } في قوله: { ما تحمل } يصح أن تكون بمعنى الذي، مفعولة { يعلم } ويصح أن تكون مصدرية، مفعولة أيضاً بـ { يعلم } ، ويصح أن تكون استفهاماً في موضع رفع بالابتداء، والخبر: { تحمل } وفي هذا الوجه ضعف.

وفي مصحف أبي بن كعب: " ما تحمل كل أنثى وما تضع ".

وقوله: { وما تغيض الأرحام } معناه: ما تنقص، وذلك أنه من معنى قوله:وغيض الماء } [هود: 44] وهو بمعنى النضوب فهي - هاهنا - بمعنى زوال شيء عن الرحم وذهابه، فلما قابله قوله: { وما تزداد } فسر بمعنى النقصان: ثم اختلف المتأولون في صورة الزيادة والنقصان: فقال مجاهد " غيض الرحم " أن يهرق دماً على الحمل، وإذا كان ذلك ضعف الولد في البطن وشحب، فإذا أكملت الحامل تسعة أشهر لم تضع وبقي الولد في بطنها زيادة من الزمن يكمل فيها من جسمه وصحته ما نقص بمهراقة الدم، فهذا هو معنى قوله: { وما تغيض الأرحام وما تزداد } وجمهور المتأولين على أن غيض الرحم الدم على الحمل.

وذهب بعض الناس إلى أن غيضه هو نضوب الدم فيه وامتساكه بعد عادة إرساله بالحيض، فيكون قوله: { وما تزداد } - بعد ذلك - جارياً مجرى { تغيض } على غير مقابلة، بل غيض الرحم هو بمعنى الزيادة فيه.

وقال الضحاك: غيض الرحم أن تسقط المرأة الولد، والزيادة أن تضعه لمدة كاملة تاماً في خلقه.

وقال قتادة: الغيض: السقط، والزيادة: البقاء بعد تسعة أشهر.

وقوله: { وكل شيء عنده بمقدار } لفظ عام في كل ما يدخله التقدير، و { الغيب }: ما غاب عن الإدراكات، و { الشهادة }: ما شوهد من الأمور، ووضع المصادر موضع الأشياء التي كل واحد منها لا بد أن يتصف بإحدى الحالتين.

وقوله: { الكبير } صفة تعظيم على الإطلاق، و " المتعالي " من العلو.

واختلفت القراءة في الوقف على " المتعال ": فأثبت ابن كثير وأبو عمرو - في بعض ما روي عنه - الياء في الوصل والوقف، ولم يثبتها الباقون في وصل ولا وقف. وإثباتها هو الوجه والباب. واستسهل سيبويه حذفها في الفواصل - كهذه الآية - قياساً على القوافي في الشعر، ويقبح حذفها في غير فاصلة ولا شعر، ولكن وجهه أنه لما كان التنوين يعاقب الألف واللام أبداً، وكانت هذه الياء تحذف مع التنوين، حسن أن تحذف مع معاقبه.

السابقالتالي
2 3