الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ } * { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ ٱلْمَثُلاَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ }

هذه آية توبيخ للكفرة أي " وإن تعجب " يا محمد من جهالتهم وإعراضهم عن الحق - فهم أهل لذلك، وعجب وغريب ومزر بهم " قولهم ": أنعود بعد كوننا " تراباً " - خلقاً جديداً - ويحتمل اللفظ منزعاً آخر أي وإن كنت تريد عجباً فلهم، فإن من أعجب العجب " قولهم ".

واختلف القراء في قراءة قوله: { أئذا كنا تراباً } فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: " أئذا كنا تراباً أئنا لفي خلق جديد " جميعاً بالاستفهام، غير أن أبا عمرو يمد الهمزة ثم يأتي بالياء ساكنة، وابن كثير يأتي بياء ساكنة بعد الهمزة من غير مد. وقرأ نافع " أئذا كنا " مثل أبي عمرو، واختلف عنه في المد، وقرأ " إنا لفي خلق جديد " مكسورة على الخبر، ووافقه الكسائي في اكتفائه بالاستفهام الأول عن الثاني، غير أنه كان يهمز همزتين، وقرأ عاصم وحمزة " أئذا كنا تراباً أئنا " بهمزتين فيهما. وقرأ ابن عامر " إذا كنا " مكسورة الألف من غير استفهام " ءائنا " يهمز ثم يمد ثم يهمز، فمن قرأ بالاستفهامين فذلك للتأكيد والتحفي والاهتبال بهذا التقدير، ومن استفهم في الأول فقط فإنما القصد بالاستفهام الموضع الثاني، و " إذا " ظرف له، و " إذا " في موضع نصب بفعل مضمر، تقديره: انبعث أو نحشر إذا. ومن استفهم في الثاني فقط فهو بين، - ولا حول ولا قوة إلا بالله -.

والإشارة بـ { أولئك } إلى القوم القائلين: { أئذا كنا تراباً } وتلك المقالة إنما هي تقرير مصمم على الجحد والإنكار للبعث، فلذلك حكم عليهم بالكفر.

وقوله: { وأولئك الأغلال } يحتمل معنيين:

أحدهما: الحقيقة وأنه أخبر عن كون { الأغلال في أعناقهم } في الآخرة فهي كقوله تعالى:إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل } [غافر: 71].

ويحتمل أن يكون مجازاً وأنه أخبر عن كونهم مغللين عن الإيمان، فهي إذن تجري مجرى الطبع والختم على القلوب، وهي كقوله تعالى:إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهي إلى الأذقان، فهم مقمحون } [يس: 8] وباقي الآية بين.

وقال بعض الناس { الأغلال } -هنا - عبارة عن الأعمال، أي أعمالهم الفاسدة في أعناقهم كالأغلال.

قال القاضي أبو محمد: وتحرير هذا هو في التأويل الثاني الذي ذكرناه.

وقوله تعالى: { ويستعجلونك بالسيئة... } الآية، هذه آية تبين تخطيئهم في أن يتمنوا المصائب، ويطلبوا سقوط كسف من السماء أو حجارة تمطر عليهم ونحو هذا مع خلو ذلك في الأمم ونزوله بأناس كثير؛ ولو كان ذلك لم ينزل قط لكانوا أعذر، و { المثلات } جمع مثلة، كسمرة وسمرات، وصدقة وصدقات.

وقرأ الجمهور " المَثُلات " بفتح الميم وضم الثاء، وقرأ مجاهد " المَثَلات " بفتح الميم والثاء، وذلك جمع مثلة، أي الأخذة الفذة بالعقوبة، وقرأ عيسى بن عمر " المُثُلات " بضم الميم والثاء، ورويت عن أبي عمرو؛ وقرأ يحيى بن وثاب بضم الميم وسكون الثاء، وهاتان جمع مثلة، وقرأ طلحة بن مصرف " المَثْلات " بفتح الميم وسكون الثاء.

السابقالتالي
2 3