الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ يُغْشِى ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

لما فرغت الآيات من ذكر السماوات ذكرت آيات الأرض.

وقوله: { مد الأرض } يقتضي أنها بسيطة لا كرة - وهذا هو ظاهر الشريعة وقد تترتب لفظة المد والبسط مع التكوير والله أعلم. و " الرواسي " الجبال الثابتة، يقال: رسا يرسو، إذا ثبت، ومنه قول الشاعر: [الطويل]

به خالدات ما يرمن وهامد   وأشعث أرسته الوليدة بالفهر
و " الزوج " - في هذه الآية - الصنف والنوع، وليس بالزوج المعروف بالمتلازمين الفردين من الحيوان وغيره، ومنه قوله تعالى:سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون } [يس: 36] ومثل هذه الآية:والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج } [ق: 7].

وهذه الآية تقتضي أن كل ثمرة فموجود منها نوعان، فإن اتفق أن يوجد في ثمرة أكثر من نوعين فغير ضار في معنى الآية.

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم " يغْشي " بسكون الغين وتخفيف الشين، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم - في رواية أبي بكر - بفتح الغين وتشديد الشين، وكفى ذكر الواحد ذكر الآخر، وباقي الآية بين.

قال القاضي أبو محمد: ويشبه أن الأزواج التي يراد بها الأنواع والأصناف والأجناس إنما سميت بذلك من حيث هي اثنان، اثنان، ويقال: إن في كل ثمرة ذكر وأنثى، وأشار إلى ذلك الفراء عند المهدوي، وحكى عنه غيره ما يقتضي أن المعنى تم في قوله: { الثمرات } ثم ابتدأ أنه جعل في الأرض من كل ذكر وأنثى زوجين.

وقوله تعالى: { وفي الأرض قطع... } الآية، " القطع ": جمع قطعة وهي الأجزاء، وقيد منها في هذا المثال ما جاور وقرب بعضه من بعض، لأن اختلاف ذلك في الأكل أغرب.

وقرأ الجمهور " وجناتٌ " بالرفع، عطفاً على { قطع } ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن " وجناتٍ " بالنصب بإضمار فعل، وقيل: هو عطف على { رواسي } ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص - عن عاصم - " وزرعٌ ونخيلٌ صنوانٌ وغيرُ " بالرفع في الكل - عطفاً على { قطع } - وقرأ الباقون: " وزرعٍ " بالخفض في الكل - عطفاً على { أعناب } وجعل الجنة من الأعناب من رفع الزرع.

و " الجنة " حقيقة إنما هي الأرض التي فيها الأعناب وفي ذلك تجوز ومنه قول الشاعر: [زهير بن أبي سلمى] [البسيط]

كأن عيني في غربي مقتلة   من النواضح تسقي جنة سحقا
أي نخيل جنة، إذ لا توصف بالسحق إلا النخل، ومن خفض " الزرع " فـ " الجنات " من مجموع ذلك لا من الزرع وحده، لأنه لا يقال للمزرعة جنة إلا إذا خالطتها شجرات.

السابقالتالي
2 3