الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } * { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ } * { سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ }

" الصبر لوجه الله " يدخل في الرزايا والأسقام والعبادات وعن الشهوات ونحو ذلك.

و { ابتغاء } نصب على المصدر أو على المفعول لأجله، و " الوجه " في هذه الآية ظاهره الجهة التي تقصد عنده تعالى بالحسنات لتقع عليها المثوبة، وهذا كما تقول: خرج الجيش لوجه كذا، وهذا أظهر ما فيه مع احتمال غيره و " إقامة الصلاة " هي الإتيان بها على كمالها، و { الصلاة } هنا هي المفروضة وقوله: { وأنفقوا } يريد به مواساة المحتاج، و " السر " هو فيما أنفق تطوعاً، و " العلانية " فيما أنفق من الزكاة المفروضة، لأن التطوع كله الأفضل فيه التكتم.

وقوله: { ويدرؤون بالحسنة السيئة } أي ويدفعون من رأوا منه مكروهاً بالتي هي أحسن، وقيل: يدفعون بقوله: لا إله إلا الله، شركهم وقيل: يدفعون بالسلام غوائل الناس.

قال القاضي أبو محمد: وبالجملة فإنهم لا يكافئون الشر بالشر، وهذا بخلاف خلق الجاهلية، وروي أن هذه الآية نزلت في الأنصار ثم هي عامة بعد ذلك في كل من اتصف بهذه الصفات.

وقوله: { عقبى الدار } يحتمل أن يكون { عقبى } دار الدنيا، ثم فسر العقبى بقوله: { جنات عدن } إذ العقبى تعم حالة الخير وحالة الشر، ويحتمل أن يريد { عقبى } دار الآخرة لدار الدنيا، أي العقبى الحسنة في الدار الآخرة هي لهم.

وقرأ الجمهور: " جنات عدن " وقرأ النخعي: " جنة عدن يُدخَلونها " بضم الياء وفتح الخاء. و { جنات } بدل من { عقبى } وتفسير لها. و { عدن } هي مدينة الجنة ووسطها، ومنها جنات الإقامة. من عدن في المكان إذا أقام فيه طويلاً ومنه المعادن، و { جنات عدن } يقال: هي مسكن الأنبياء والشهداء والعلماء فقط - قاله عبد الله بن عمرو بن العاصي - ويروى: أن لها خمسة آلاف باب.

وقوله: { ومن صلح } أي من عمل صالحاً وآمن - قاله مجاهد وغيره - ويحتمل: أي من صلح لذلك بقدر الله تعالى وسابق علمه.

وحكى الطبري في صفة دخول الملائكة أحاديث لم نطول بها لضعف أسانيدها. والمعنى: يقولون: سلام عليكم، فحذف - يقولون - تخفيفاً وإيجازاً، لدلالة ظاهر الكلام عليه، والمعنى: هذا بما صبرتم، والقول في { عقبى الدار } على ما تقدم من المعنيين.

وقرأ الجمهور " فنِعْم " بكسر النون وسكون العين، وقرأ يحيى بن وثاب " فنَعِم " بفتح النون وكسر العين.

وقالت فرقة: معنى { عقبى الدار } أي أن أعقبوا الجنة من جهنم.

قال القاضي أبو محمد: وهذا التأويل مبني على حديث ورد، وهو: أن كل رجل في الجنة فقد كان له مقعد معروف في النار، فصرفه الله عنه إلى النعيم، فيعرض عليه ويقال له: هذا كان مقعدك فبدلك الله منه الجنة بإيمانك وطاعتك وصبرك.