الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ } * { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِىءُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ } * { وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَٱلْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمْ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ }

اختلف المتأولون في غير عود الضمير من { له }: فقالت فرقة: هو عائد على اسم الله عز وجل المتقدم ذكره، و " المعقبات " - على هذا الملائكة الحفظة على العباد أعمالهم، والحفظة لهم أيضاً - قاله الحسن، وروى فيه عثمان بن عفان حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول مجاهد والنخعي - والضمير على هذا في قوله: { يديه } وما بعده من الضمائر عائد على العبد المذكور في قوله:من هو مستخف } [الرعد: 10] و { من أمر الله } يحتمل أن يكون صفة لـ { معقبات } ويحتمل أن يكون المعنى: يحفظونه من كل ما جرى القدر باندفاعه، فإذا جاء المقدور الواقع أسلم المرء إليه.

وقال ابن عباس أيضاً: الضمير في { له } عائد على المذكور في قولهمن هو مستخف بالليل } [الرعد: 10] وكذلك باقي الضمائر التي في الآية، قالوا: و { معقبات } - على هذا - حرس الرجل وجلاوزته الذين يحفظونه، قالوا: والآية - على هذا - في الرؤساء الكافرين، واختار هذا القول الطبري، وهو قول عكرمة وجماعة، قال عكرمة: هي المواكب خلفه وأمامه.

قال القاضي أبو محمد: ويصح على التأويل الأول الذي قبل هذا أن يكون الضمير في { له } للعبد المؤمن على معنى جعل الله له.

قال القاضي أبو محمد: وهذا التأويل عندي أقوى، لأن غرض الآية إنما هو التنبيه على قدرة الله تعالى، فذكر استواءمن هو مستخف } [الرعد: 10] ومن هوسارب } [الرعد: 10] وأن { له معقبات } من الله تحفظه في كل حال، ثم ذكر أن الله تعالى لا يغير هذه الحالة من الحفظ للعبد حتى يغير ما بنفسه.

قال القاضي أبو محمد: وعلى كلا التأويلين ليست الضمائر لمعين من البشر.

وقال عبد الرحمن بن زيد: الآية في النبي عليه السلام، ونزلت في حفظ الله له من أربد بن ربيعة وعامر بن الطفيل في القصة التي ستأتي بعد هذا في ذكر الصواعق.

قال القاضي أبو محمد: وهذه الآية وإن كانت بألفاظها تنطبق على معنى القصة فيضعف القول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتقدم له ذكر فيعود الضمير في { له } عليه.

و " المعقبات ": الجماعات التي يعقب بعضها بعضاً، فعلى التأويل الأول هي الملائكة، وينظر هذا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: " يتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة المغرب والصبح " ، وعلى التأويل الثاني: هي الحرس والوزعة الذين للملوك.

و { معقبات } جمع معقبة وهي الجماعة التي تأتي بعد الأخرى، والتعقيب - بالجملة - أن تكون حال تعقبها حال أخرى من نوعها، وقد تكون من غير النوع، ومنه معاقبة الركوب ومعاقبة الجاني ومعقب عقبة القدر والمعاقبة في الأزواج، ومنه قول سلامة بن جندل: [البسيط]


السابقالتالي
2 3 4 5