الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤمۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ وَٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ٱلْحَقُّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ }

تقدم القول في فواتح السور وذكر التأويلات في ذلك إلا أن الذي يخص هذا الموضع من ذلك هو ما قال ابن عباس رضي الله عنه: إن هذه الحروف هي من قوله: " أنا الله أعلم وأرى ". ومن قال: إن حروف أوائل السور هي مثال لحروف المعجم - قال: الإشارة هنا بـ { تلك } هي إلى حروف المعجم، ويصح - على هذا - أن يكون { الكتاب } يراد به القرآن، ويصح أن يراد به التوراة والإنجيل. و { المر } - على هذا - ابتداء، و { تلك } ابتداء ثان - و { آيات } خبر الثاني، والجملة خبر الأول - وعلى قول ابن عباس في { المر } يكون { تلك } ابتداء و { آيات } بدل منه، ويصح في { الكتاب } التأويلان اللذان تقدما.

وقوله: { والذي أنزل إليك من ربك الحق } { الذي } رفع بالابتداء و { الحق } خبره - هذا على تأويل من يرى { المر } حروف المعجم، و { تلك آيات } ابتداء وخبر. وعلى قول ابن عباس يكون { الذي } عطفاً على { تلك } و { الحق } خبر { تلك }. وإذا أريد بـ { الكتاب } القرآن فالمراد بـ { الذي أنزل } جميع الشريعة: ما تضمنه القرآن منها وما لم يتضمنه. ويصح في { الذي } أن يكون في موضع خفض عطفاً على الكتاب، فإن أردت مع ذلك بـ { الكتاب } القرآن، كانت " الواو " عطف صفة على صفة لشيء واحد، كما تقول: جاءني الظريف والعاقل، وأنت شخصاً واحداً، ومن ذلك قول الشاعر: [المتقارب]

إلى الملك القرم وابن الهمام   وليث الكتيبة في المزدحم
وإن أردت مع ذلك بـ { الكتاب } التوراة والإنجيل، فذلك بيّن، فإن تأولت مع ذلك { المر } حروف المعجم - رفعت قوله: { الحق } على إضمار مبتدأ تقديره: هو الحق، وإن تأولتها كما قال ابن عباس فـ { الحق } خبر { تلك } ومن رفع { الحق } بإضمار ابتداء وقف على قوله: { من ربك } وباقي الآية ظاهر بين إن شاء الله.

وقوله تعالى: { الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها } الآية، لما تضمن قوله: { ولكن أكثر الناس لا يؤمنون } توبيخ الكفرة، عقب ذلك بذكر الله الذي ينبغي أن يوقن به، ويذكر الأدلة الداعية إلى الإيمان به.

والضمير في قوله: { ترونها } قالت فرقة: هو عائد على { السماوات }. فـ { ترونها } - على هذا - في موضع الحال، وقال جمهور الناس: لا عمد للسماوات البتة، وقالت فرقة: الضمير عائد على العمد، فـ { ترونها } - على هذا - صفة للعمد، وقالت هذه الفرقة: للسماوات عمد غير مرئية - قاله مجاهد وقتادة - وقال ابن عباس: وما يدريك أنها بعمد لا ترى؟ وحكى بعضهم: أن العمد جبل قاف المحيط بالأرض، والسماء عليها كالقبة.

السابقالتالي
2 3