الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ } * { قَالُوۤاْ أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَآ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ } * { قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ }

روي أن يوسف عليه السلام لما قال إخوتهمسنا وأهلنا الضر } [يوسف: 88] واستعطفوه - رق ورحمهم، قال ابن إسحاق: وارفض دمعه باكياً فشرع في كشف أمره إليهم، فيروى أنه حسر قناعه وقال لهم: { هل علمتم } الآية.

وقوله: { فعلتم بيوسف وأخيه } يريد من التفريق بينهما في الصغر والتمرس بهما وإذاية بنيامين. بعد مغيب يوسف. فإنهم كانوا يذلونه ويشتمونه، ولم يشر إلى قصة بنيامين الآخرة لأنهم لم يفعلوا هم فيها شيئاً، ونسبهم إما إلى جهل المعصية، وإما إلى جهل الشباب وقلة الحنكة، فلما خاطبهم هذه المخاطبة - ويشبه أن يكون قد اقترن بها من هيئته وبشره وتبسمه ما دلهم - تنبهوا ووقع لهم من الظن القوي أنه يوسف، فخاطبوه مستفهمين استفهام مقرر.

وقرأت فرقة " أأنك يوسف " بتحقيق الهمزتين، وقرأت فرقة بإدخال ألف بين همزتين وتحقيقهما " أإنك " ، وقرأت فرقة بتسهيل الثانية " إنك " ، وقرأ ابن محيصن وقتادة وابن كثير " إنك " على الخبر وتأكيده وقرأ أبي بن كعب " أأنك أو أنت يوسف " قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون هذا على حذف خبر " إن " كأنه قال: أئنك لغير يوسف أو أنت يوسف؟ وحكى أبو عمرو الداني: أن في قراءة أبي بن كعب: " أو أنت يوسف " وتأولت فرقة ممن قرأ " إنك " إنها استفهام بإسقاط حرف الاستفهام، فأجابهم يوسف كاشفاً أمره قال: { أنا يوسف وهذا أخي } وقال مجاهد: أراد { من يتق } في ترك المعصية ويصبر في السجن. وقال إبراهيم النخعي: المعنى: { من يتق } الزنى ويصبر على العزوبة.

قال القاضي أبو محمد: ومقصد اللفظ إنما هو العموم في العظائم، وإنما قال هذان ما خصصا، لأنها كانت من نوازله، ولو فرضنا نزول غيرها به لاتقى وصبر.

وقرأ الجمهور " من يتق ويصبر " وقرأ ابن كثير وحده: " ومن يتقي ويصبر " بإثبات الياء، واختلف في وجه ذلك، فقيل: قدر الياء متحركة وجعل الجزم في حذف الحركة، وهذا كما قال الشاعر: [الوافر]

ألم يأتيك والأنباء تنمي   بما لاقت لبون بني زياد
قال أبو علي: وهذا مما لا نحمله عليه، لأنه يجيء في الشعر لا في الكلام، وقيل: " من " بمعنى الذي و " يتقي " فعل مرفوع، و " يصبر " عطف على المعنى لأن " من " وإن كانت بمعنى الذي ففيها معنى الشرط، ونحوه قوله تعالى:فأصدق وأكن } [المنافقون: 10] وقيل: أراد " يصبر " بالرفع لكنه سكن الراء تخفيفاً، كما قرأ أبو عمرو:ويأمركم } [البقرة: 67] بإسكان الراء.

وقوله تعالى: { قالوا: تالله لقد آثرك الله علينا } الآية، هذا منهم استنزال ليوسف وإقرار بالذنب في ضمنه استغفار منه.

السابقالتالي
2